لأنها مواجهة إقليمية!
بعض الذين يراقبون المشهد السوري من الخارج، عرباً كانوا أو غير عرب، ينظرون إليه من زاوية أنه معركة بين إيران وحلفائها من جهة وبين الدول العربية من جهة أخرى، والتي وفقاً لمعادلة ما قبل هذه العواصف الهوجاء التي تجتاح هذه المنطقة، تُصنَّف على أنها معسكر الاعتدال الذي هو على الطرف الآخر مقابل معسكر «المقاومة» و»الممانعة» الذي يضم إيران وسورية أساساً، ويضم أيضاً «حزب الله» اللبناني، وحركة «حماس» وبعض الألوان الديكورية التي هي مجرد أصوات متخصصة في إصدار إما بيانات الإشادة أو بيانات الشجب.ولهذا فإن الذين ينظرون إلى هذا المشهد السوري من هذه الزاوية ينتظرون نتائج هذه المواجهة الحامية في سورية بقلق ومخاوف، وذلك على اعتبار أنه إذا استطاع نظام الرئيس بشار الأسد أن يسحق هذه الانتفاضة فإن هذا سيعتبر بمنزلة انتصار لـ»فسطاط المقاومة والممانعة»، وعندئذ فإن التوغل الإيراني في المنطقة العربية سيتضاعف وسيتعمق وسيأخذ طابعاً أكثر سفوراً وعدائية، أما إذا انتهت «المعركة» بنصر لجماهير الشعب السوري فإن الإيرانيين سيتلقون ضربة قاصمة ستملي عليهم الانكفاء إلى الوراء والاهتمام بارتدادات ما قد يجري على جبهتهم الداخلية.
والضرورة تقضي بأن ينظر العرب المتضررون من تدخل إيران في شؤونهم الداخلية وتلاعبها بساحاتهم وبالتركيبة الديموغرافية في بلدانهم إلى ما يجري في سورية على أنه معركة إقليمية، سيحدد المنتصر فيها شكل معادلة القوى في هذه المنطقة، ربما لسنوات مقبلة عديدة، ولذلك فإن المفترض ألا يبقى الموقف العربي يتخذ هذه الوضعية الانكفائية الحائرة بينما تدفع طهران بكل أوراقها نحو مسرح هذه التطورات الساخنة المتلاحقة على مدى الجغرافيا السورية. كل العرب يعرفون معرفة أكيدة أن إيران شريك رئيسي في أحداث سورية، وأنها منذ اللحظة الأولى، عندما انطلقت هذه الشرارة التي ألهبت الحقل السوري كله، قد تعاملت مع الأمور على أساس أنها مواجهة بين فسطاط «الممانعة» و»المقاومة» من جهة ومعسكر الاعتدال العربي، والذي تتهمه بأنه موالٍ للغرب والولايات المتحدة وممالئٌ لإسرائيل، وهذا بالطبع غير صحيح، من جهة أخرى.إنه على العرب الذين يراقبون المشهد السوري عن بعد ويدعمون المنتفضين المطالبين بإصلاحات تتلاءم مع معطيات القرن الحادي والعشرين بالأدعية الصامتة أن يهيئوا أنفسهم منذ الآن، هذا إن انكسرت هذه الهبة الشعبية الواعدة، إلى مرحلة تصفية حسابات شديدة القوة، أولاً في لبنان إذ سيبادر «حزب الله» إلى البطش بكل الذين قدموا دعماً بالسلاح والأموال للانتفاضة السورية، وأول هؤلاء تيار المستقبل وسعد الحريري وكل الذين تعاطفوا مع هذه الانتفاضة من القوى اللبنانية، وثانياً في العديد من الدول العربية.إذا استطاع النظام السوري أن يسحق هذه الانتفاضة ويقضي عليها فإن إيران ستغتنم ما ستعتبره فوز «فسطاطها» بجولة تغيير المعادلات في هذه المنطقة، وستبادر إلى هجوم سافر بطريقة أكثر سخونة هذه المرة، وهذا يقتضي أن تتهيأ دول الخليج العربية لمرحلة جديدة من التدخل في شؤونها الداخلية، ولذلك فإنه لا يجوز ترك المنتفضين السوريين يخوضون هذه المعركة التي هي معركة إقليمية بقدر ما هي معركة داخلية وحدهم، والمفترض أنه ما دامت المواجهة هي مع تحالف إقليمي له توجهاته وأهدافه ألا يتوانى العرب المعنيون في مساندة «الثوار السوريين» ولو بالمواقف السياسية والإعلامية على الأقل.