حرب الحريات!
من تابع سلسلة الندوات الأخيرة المقامة تحت شعار التحدي يدرك هذا المعنى، حيث عبرت وببساطة شديدة عن مشاكل مزمنة تناولتها الصحافة والإعلام وحتى ندوات الدواوين في السابق عشرات المرات، لدرجة أن أصبحت مكررة ومملة، حتى على صعيد الحضور الجماهيري، ولكنها اكتسبت في الوقت نفسه سمات البطولة والشجاعة فقط لأن الحكومة هددت بمنعها.
رداً على تحمير العين الحكومية على إقامة الندوات والمهرجانات الخطابية أقيمت (11) ندوة في عدة مناطق سكنية وفي وقت واحد كجواب على تحذيرات وزير الداخلية ونشر دورياته حول الديوانيات التي احتضنت تلك الندوات، وبالتأكيد فإن الرقم الكبير للندوات المتزامنة كان بمنزلة رسالة جوابية على تهديدات وزارة الداخلية بمنعها وحمل صوت التحدي والاستعداد لخوض إحدى حروب الحريات!وهذا الإيجاز الشديد للمشهد السياسي من تهديد حكومي في مقابل تحدٍّ شعبي لم تعكسه الصورة الواقعية لما حدث بالفعل في الديوانيات التي أقيمت فيها الندوات بدءاً من منطقة بيان ومروراً بكيفان وانتهاء بالفروانية والجهراء، فمعظم هذه الندوات اقتصرت على حضور بعض النواب والمرشحين السابقين والواعدين وبمشاركة متواضعة من الجمهور، بينما اقتصرت الاحترازات الأمنية على دوريتين للشرطة وثلة قليلة من رجال الأمن لا يتجاوز عددهم أكثر من خمسة أفراد!
وبمعنى آخر فإن الهالة الإعلامية التي صورتها الصحافة وبعض القنوات الفضائية بشأن هذه الندوات والصورة المخيفة التي عكستها لم تكن سوى فقاعات خاوية، الأمر الذي يؤكد طبيعة المبالغة والتهويل التي نعيشها في الكويت في مختلف قضايانا وتعاطينا مع الأمور والأحداث. ومن حيث الأصل والمبدأ فإن حرية التعبير عن الرأي وإقامة الندوات بل انطلاقتها من الديوانيات حق دستوري أصيل وثقافة مجتمعية راسخة وإرث تاريخي كويتي من المستحيل التنصل منه أو تقييده، وقد نختلف سياسياً وفكرياً حتى النخاع مع عناوين بعض الندوات العامة والرموز المشاركة فيها وتوقيتها وأماكن إقامتها بل حتى دوافعها ونواياها، ولكن هذا لا يبرر لنا على الإطلاق أن نحرض على قمعها، ولا يعطي أي مسوغ قانوني للحكومة بتهديدها أو العمل على منعها.نعم قد تصل بعض التجمعات إلى حد تجاوز الخطوط الحمراء وتهدد الاستقرار الداخلي أو تستغل لإضرام نيران الفتنة وتؤدي إلى عواقب وخيمة، وهذه حالات نادرة يمكن احتواؤها بسهولة خصوصاً إذا كان الذوق الشعبي العارم يوفر غطاء الردع ضدها، وقد شهدنا بالأمس القريب عدة نماذج من هكذا تجمعات ملغومة لاقى منعها ارتياحاً شعبياً عريضاً.ولكن أن تتحول سياسة قمع الندوات الشعبية خصوصاً عندما تحمل عناوين رئيسة للقضايا التي ابتلينا بها نتيجة التخبط والفساد والتخلف إلى نهج منظم فهذا خط أحمر بحد ذاته، بل الأكثر من ذلك فإن عقلية التهديد والوعيد سوف تحولها بلا شك إلى بطولات قد تكون في معظم الأحيان وهمية ومصطنعة.ومن تابع سلسلة الندوات الأخيرة المقامة تحت شعار التحدي يدرك هذا المعنى، حيث عبرت وببساطة شديدة عن مشاكل مزمنة تناولتها الصحافة والإعلام وحتى ندوات الدواوين في السابق عشرات المرات، لدرجة أن أصبحت مكررة ومملة، حتى على صعيد الحضور الجماهيري، ولكنها اكتسبت في الوقت نفسه سمات البطولة والشجاعة فقط لأن الحكومة هددت بمنعها، ومثل هذه السياسة الساذجة بصنع البطولات ليست بغريبة على الحكومة التي طالما "شرت من حلالها علة"، وخلقت من بعض معارضيها رموزاً شعبية يشار إليها بالبنان!