مواقف النائب السابق صالح الفضالة، الذي عين أخيراً رئيساً لما سمي باللجنة المركزية لتعديل أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، من قضية «البدون» معروفة جداً، فالرجل يوم كان نائباً، ومع كامل الاحترام لشخصه، كان من أشرس المعارضين لفكرة تجنيس البدون بكل الألوان والصيغ التي طرحت، ولم يبدر منه بعدها أي شيء يدل على تغير مواقفه المناهضة لحلحلة قضية «البدون» في أي اتجاه، ولاأزال أذكر تحذيراته المتكررة من «خطر طمس الهوية الوطنية بإعطاء الجنسية الكويتية لهؤلاء، وأنهم سيحكموننا بعد عشرين سنة»!

Ad

جئت بهذه المقدمة حتى أبدي استغرابي من اختيار صالح الفضالة بالذات، لشغر هذا المنصب، وهو المعروف بحمله لكل هذه الحزمة المكتنزة من المواقف الشديدة والمعاكسة لحل قضية «البدون» طوال السنوات الماضية.

إن هذا الأمر يشكل مفارقة صاخبة، لها دلالاتها ولا شك، وأبسط هذه الدلالات، وهي التي لن تحتاج إلى عبقري، أو فلتة من فلتات الزمان، حتى يتفتق ذهنه عنها، هي أن الحكومة غير جادة، أو لعلها غير راغبة البتة، بحل هذه القضية!... نقطة على السطر.

سأنتقل بكم إلى جانب آخر من جوانب هذه القضية المضحكة المبكية، وجه آخر للعملة ذاتها... مفارقة أخرى، وما أكثر المفارقات التي صنعتها حكومتنا في كبد هذه القضية!

الحكومة تسمي «البدون»، كما هو واضح في الاسم الباهت الطويل لتلك اللجنة التي تولى رئاستها السيد صالح الفضالة، المقيمين بصورة غير قانونية.

جميل؟ جميل...

ثلاثة من لاعبي منتخب الكويت لكرة القدم، وهو الذي يمثل البلاد حالياً في اليمن في بطولة كأس الخليج، هم من هؤلاء المقيمين بصورة غير قانونية. هل تصدقون ذلك؟! صدقوا أو لا تصدقوا، فهي الحقيقة!

حسنا، دعوني أرش الملح، وبعض الفلفل ربما، في جرح المفارقة أكثر، لمزيد من النكهة... لمزيد من التأثير... لمزيد من السخرية!

هؤلاء الثلاثة خرجوا من الكويت مع المنتخب الوطني باتجاه اليمن، بوثائق مؤقتة، وهم موسومون بهذا المسمى الغريب الذي أطلقته عليهم وزارة الداخلية، مقيم بصورة غير قانونية، وبعد أيام ستنتهي البطولة، وسيعودون إلى البلاد، ليدخلوها مجدداً ليقيموا بها بصورة غير قانونية! بمعنى آخر، أن وزارة الداخلية ستسمح طوعا لأشخاص ما بالدخول إلى البلاد للإقامة فيها بصورة غير مشروعة وغير قانونية! هل تلاحظون المفارقة؟ وهل تتخيلون هزلاً بارداً كهذا الهزل؟!

أرجو ألا يساء الفهم، فأنا لا أريد بهؤلاء الثلاثة أي شر، بل لنا بهم الفخر لتمثيلهم الكويت في هذا المحفل الدولي، وهم لهذا في نظري شخصياً كويتيون، ولو لم يحملوا هذه الوثيقة المسماة بالجنسية، ولكنني أتحدث هنا عن هذه المفارقات العبثية المتراكمة من قبل الحكومة تجاه هذه القضية! وحين تتحول أي قضية إلى مثل هذا العبث الخارج عن المعقول والمنطق، تتعطل لغة الكلام ويصيب الحروف الشلل، لأن العقل سيحتار في أن يجد أي وجه ينطلق منه. إنه عبث سافر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

قلتها مراراً وتكراراً للإخوة «البدون»، وأكررها هنا... لا حل لهذه القضية من خلال هذه المناورات الحكومية، وأنا على استعداد للمراهنة بأن صالح الفضالة لن يوصل القضية إلى أي حل قريب، وفي قناعتي أنه لا حل للقضية إلا بالضغط الحقوقي الدولي، وأن كل الجهود يجب أن تتركز على هذا الاتجاه، وإلا فلا حل.