● كيف كانت بداية علاقتك بعالم الإنشاد الديني؟

Ad

- أنا من مواليد عام 1957 في إحدى قرى محافظة الشرقية اسمها «صنافين». التحقت منذ صغري بكتاب القرية فحفظت عدة أجزاء من القرآن الكريم، ونظراً إلى أن قريتي تضم عدداً من مقامات الأولياء الذين يقام لكل منهم مولد منفصل فيحضر المنشدون والمداحون لإحياء ليالي هذه الموالد، التي تستمر على مدار العام، فقد انجذبت إلى هذا الفن، وبسبب تعلقي به تأثرت دراستي حيث تراجع مستواي التعليمي في الثانوية العامة، وانتهى بي الأمر بالحصول على دبلوم التجارة، لكنني أحمد الله أن عوضني خيراً بالنجاح في مجال الإنشاد.

● لكن كيف كان الإنشاد سبباً في فشلك دراسياً؟

- لا أعتبره فشلاً بالمعنى المفهوم ولكن إرادة الله شاءت أن أتعلق بالإنشاد، وأتقرب إلى المنشدين في قريتنا للتعلم منهم وإنشاد ما أحفظه، فأشاد الجميع بموهبتي وحسن أدائي وجمال صوتي، وبدأت أختلط بمشايخ الطرق الصوفية في القرية، ووجدت نفسي أميل إلى الشعر الصوفي الفصيح، حيث لم يستهوني الإنشاد بالعامية، لذا كنت أستعير كتب الشعر الصوفي وأحفظه، ولم أجد أجمل وأرق وأدق كلمات بعد القرآن الكريم من الشعر الصوفي، وتعرفت على أحد مشايخ الطرق الصوفية وهو الشيخ شاذلي الذي وجهني إلى شعراء الصوفية حينما وجدني لا أميل إلى الإنشاد بالعامية، ونصحني بكثرة الحفظ، وأعتبر توجيهاته لي هي مرشدي إلى هذا الطريق، كما أنه الذي قدمني إلى الناس في قريتي والقرى المجاورة، وشجعني على الإنشاد أمام الناس. بعد ذلك سافرت إلى القاهرة وأقمت في حي السيدة زينب للعمل كمحاسب في إحدى شركات القطاع العام، وبدأت احتراف الإنشاد بشكل محدود وقتها.

● عدم اختراقك لهذا المجال بقوة في ذلك الوقت هل كان بسبب انشغالك بالوظيفة؟

- بالفعل حيث إن التزامي الوظيفي كان يمنعني من إحياء الليالي، فالإنشاد يحتاج إلى تفرغ، لذا أعتبر مرحلة احترافي وانتشاري الحقيقية هي حينما خرجت على المعاش المبكر عام 2001، للتفرغ للإنشاد وتأسيس فرقة الحضرة المصرية لإحياء الليالي المختلفة في مصر وخارجها، كما قمت بالانضمام إلى فرقة الإنشاد الديني بالهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية في عام 2003.

● حدثنا عن رحلاتك إلى الخارج؟

- سافرت بفرقة الحضرة المصرية إلى فرنسا عام 2001، وقمت بإحياء ليالي إنشاد ديني على مسرح معهد العالم العربي في باريس، كما سافرت إلى دول أخرى عربية وأوروبية بصحبة فرقة الإنشاد الديني، وأحياناً كنت اضطر إلى الاعتذار عن عدم السفر لارتباطي بحفلات أخرى في مصر، وهناك اتفاق على السفر إلى بعض الدول العربية لإحياء ليالي رمضان هناك.

● هل يختلف الإنشاد في الموالد عن الإنشاد على المسرح؟

- بالطبع فالمنشد على المسرح محدد بوقت معين، أما في الموالد فالوقت مفتوح، مما يسمح للمنشد بإخراج ما لديه من أشعار كما يحلو له.

● من المنشد الذي يعجبك وتعتبره مثلك الأعلى في هذا المجال؟

- الشيخ ياسين التهامي فهو فلتة من فلتات الزمن في مجال الإنشاد، ودائماً أقول عنه إنه هدية الرحمن لمحبي الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين.

● هل من الضروري مصاحبة الآلات الموسيقية للإنشاد؟

- تعلمت المقامات الموسيقية عن طريق السماع، ولابد للمنشد من معرفة ذلك، لكن ليس بالضرورة أن يعتمد على الآلات الموسيقية، إذ يمكن الإنشاد اعتماداً على الكف فقط، لأن الإنشاد في الأساس يعتمد على الروح والوجدان وطريقة المنشد في الأداء، وأنا شخصياً أعتبر المنشد ساقياً والمستمع شارباً، ويجب أن يكون المنشد مدركاً لمعاني شعره حتى تحدث حالة الوجد وتنتقل تلقائياً إلى المستمعين.

● أي الشعراء تعجبك قصائده؟

- يجب على المنشد أن يكون موسوعياً، فلا يقف عند شاعر بعينه، وكما قلت انني أفضل إنشاد الشعر الصوفي الفصيح، لأنه منظم وأدق في التعبيرات من الإنشاد بالعامية الذي يفقدنا الإحساس برصانة اللغة العربية، أما أبيات الشعر المفضلة لدي فهي الخاصة بسيدي عبدالكريم الجيري وأبوبكر الشبلي وإبراهيم الدسوقي وعمر بن الفارض سلطان العاشقين.

● كيف ترى حال الإنشاد والمنشدين في الوقت الحالي؟

- في الماضي كان هناك اهتمام بالإنشاد والمنشدين، لكن حالياً الأوضاع في مصر تتجه إلى الأغاني الهابطة، وابتعد الجمهور عن الإنشاد، فالمستمع في الماضي كان يتعايش مع الكلمات ويفهمها بنسبة 75 في المئة وباقي النسبة للأداء والألحان، أما الآن فلا نجد ذلك، في حين نجد اهتماماً كبيراً في الخارج بالإنشاد الديني وتقديراً كبيراً للمنشدين.

● ما أبرز الصعوبات التي واجهتك؟

- صعوبات المنشد المصري تنحصر في عدم الاهتمام الإعلامي في بلده، وعدم توافر الدعم المادي الذي يساعده على تطوير أدائه باستمرار، وتوفير متخصصين لتشكيل الشعر لغوياً وإفهامه لما غمض من معان، وقد تعرضت لذلك ولم أجد من يعينني سوى اجتهادي الشخصي، فلو وجد المنشدون رعاية كافية من الدولة إعلامياً لصاروا من أكثر نجوم العالم شهرة لتميز هذا اللون الفني.

● ما رأيك في اتجاه بعض المطربين إلى الغناء الديني؟

- ليست هناك مقارنة بين المنشد والمطرب، وأعتقد أن الغناء الديني يترك بصمة للمطرب أكثر من أغانيه التي تنتهي مع الوقت ولا يتذكرها أحد، وعموماً هذا الاتجاه يعتبر موجة أو ظاهرة سرعان ما تنتهي وتختفي ويبقى المنشد هو فارس هذا الميدان.

● حدثنا عن فرقة الحضرة المصرية؟

- لفظ الحضرة لغوياً يعني الحضور، وتبدأ بقراءة القرآن الكريم وقراءة الفاتحة للحاضرين والصالحين، ثم يبدأ الذكر مصاحبا للإنشاد، وفرقة الحضرة تتكون من منشد وعازف كولة وكامنجا وعود ورق وطبلة، وأحيانا يضاف إليها الدف وتنورة، وذلك بالطلب، فالآلات تحددها الحفلات، وقدمت من خلالها مجموعة متنوعة من الأشعار الصوفية التي تحقق أهدافها المتمثلة في إحياء فنون الإنشاد الصوفي على اختلافه، خاصة المتعلق بالحضارات، حيث قدمت الفرقة عددا من القصائد لكبار الصوفية، وصاحب العرض عدد من الآلات الشعبية المختلفة، وقدمنا العديد من الحفلات على مسارح بيت الغوري والسحيمي وقصر الأمير طاز والمانسترلي والأوبرا، كما قمنا بالعديد من الجولات الفنية شملت عدة دول.

● ما هي طقوسك قبل الإنشاد؟

- لا أصعد المسرح من دون وضوء، نظراً إلى أن المقام هو ذكر الله ومدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مع التزام الأخلاق والأدب مع الإنشاد والمستمع، وأصعد المسرح دون حذاء احتراما لما أنشده.

● ماذا يمثل لك شهر رمضان؟

- شهر رمضان هو شهر الإنشاد والمديح، وتكثر فيه الحفلات والليالي، ويمثل تنشيطا للعلاقة بين الجمهور والمنشدين، ونتمنى أن تكون السنة كلها رمضان حتى تظل هذه العلاقة دون فتور.

● كيف ترى مستقبل الإنشاد الديني في العالم العربي؟

- أنا متفائل وأعيش بالأمل ولو فقدت الأمل في ازدهار هذا الفن يكون الموت أفضل بالنسبة لي، ويجب أن نعمل على نهضة الإنشاد الديني، فالمنشد هو واعظ ديني غنائي، وهو أكثر تأثيراً في الجماهير، أيضاً لابد من ضخ دماء جديدة لهذا الفن، حيث يرفض الشباب حالياً الإقبال على تعلمه واحترافه في مقابل السعي الدؤوب إلى احتراف الغناء الشعبي، وذلك بسبب الاهتمام الإعلامي بهذه الفئة، بينما يسعى الإعلام إلى إخفاء الإنشاد من الوجود تماماً، لذا علينا أن نحافظ على الإنشاد من الاندثار.