نظرياً، لا أهمية لعامل امتلاك شركة في الاقتصاد الرأسمالي، لكن عملياً، يثير هذا الموضوع جدلاً كبيراً في أغلب الأحيان، بدءاً من تكثيف عمليات الشراء التي أقدمت عليها الشركات اليابانية في الولايات المتحدة خلال الثمانينيات وشراء شركة "فودافون" لشركة "مانيسمان" الألمانية عام 2000، ووصولاً إلى أحدث العمليات التجارية في شركات حقوق الملكية الخاصة، غالباً ما تثير هذه المكاسب موجة من السخط الوطني.
من المتوقع أن تتزايد هذه المخاوف خلال السنوات المقبلة لأن الشركات الصينية التي تملكها الدولة تطلق حملة تسوق مخيفة لاقتناء الشركات في العالم. نجح الشراة الصينيون- وهم في معظمهم غامضون ويخضعون للحزب الشيوعي، وأحياناً يعملون استناداً إلى دوافع سياسية فضلا عن هدف تحقيق الأرباح- في الحصول على عُشر الصفقات العابرة للحدود هذه السنة، فقدموا عروضهم في جميع الصفقات، بدءاً من شبكات الغاز الأميركي والطاقة البرازيلية ووصولاً إلى شركة السيارات السويدية "فولفو".مقابل هذه النزعة السائدة، نشأت معارضة شديدة، وهو أمر مبرر. يرى البعض أن المفهوم القائل إن الرأسماليين يجب أن يسمحوا للشيوعيين بشراء شركاتهم، يدفع بنظام التحرر الاقتصادي نحو وضع خطير جداً. لكنها الخطوة المناسبة التي يجب اتخاذها لأن انتشار رؤوس الأموال الصينية يُفترض أن تدر الأرباح على من يتلقاها، وعلى العالم ككل.ما سبب اختلاف الصين عن غيرها؟منذ فترة غير طويلة، كانت الشركات التي تسيطر عليها الحكومة تُعتبر كيانات منقوصة وكان مصيرها هو الخصخصة الكاملة، غير أن اندماج بعض العوامل- مثل ضخامة نسبة الادخار في الدول الناشئة، وكسب الثروات من النفط، وفقدان الثقة في نموذج السوق الحرة- أدى إلى عودة ظهور رأسمالية الدولة. اليوم، تضم شركات مماثلة حوالى خُمس قيمة سوق الأسهم العالمية، أي ما يفوق ضعف المستوى المسجّل منذ عشر سنوات.لقد واجه العالم الغني نشوء الأنظمة الاقتصادية التجارية من قبل. يكفي أن نذكر التنمية التي حققتها كوريا الجنوبية بقيادة الدولة أو شركات سنغافورة التي تديرها الدولة، وهي تُعتبر من الشراة الناشطين في الخارج. ولكن وضع الصين مختلف، فهي تشكل أصلاً ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تتفوق على الولايات المتحدة مع مرور الوقت. كما أن شركاتها عملاقة إلى حد أنها لا تزال حتى الآن تهتم بالعمليات الداخلية، ولكنها بدأت اليوم تستعمل مواردها الهائلة في الخارج.تملك الشركات الصينية 6% فقط من الاستثمارات العالمية في السوق الدولية، لكن تاريخياً، لطالما حظيت الشركات المتفوقة على حصة أكبر بكثير من هذه النسبة، فقد بلغت حصص بريطانيا والولايات المتحدة ذروتها لتصل إلى 50% تقريباً، في عامي 1914 و1967 على التوالي. وربما تحققت هذه الفورة الصينية الطبيعية بفعل صندوق مدخراتها الضخمة. اليوم، تُستثمر نسبة كبيرة من هذه المدخرات في السندات الحكومية التابعة للدول الغنيّة. أما مستقبلاً، فقد تُستخدم لشراء الشركات وحماية الصين من حالات التردي الاقتصادي واحتمال التقصير في دفع الديون من جانب البلدان الغنية.تتجه الشركات الصينية نحو الانتشار العالمي لأسباب مألوفة: الحصول على المواد الخام، واكتساب المهارات التقنية، واختراق الأسواق الأجنبية، ولكنها تتبع إرشادات الدولة إلى حد أن دولاً كثيرة تعتبرها منافساً استراتيجياً، لا حليفاً. غالباً ما تعيّن هذه الشركات مديرين تنفيذيين، وتدير الصفقات وتموّلها عن طريق المصارف الحكومية. قد تصبح شركات الموارد الطبيعية، بعد شرائها، بمنزلة مزودين احتكاريين في الصين. يرى البعض أن الصناعة الصينية قد تكون أخطر من ذلك. على سبيل المثال، تعتبر الولايات المتحدة أن شركات الاتصالات والمعدات الصينية تطرح خطراً على أمنها الوطني.لقد أدت الشركات الخاصة دوراً كبيراً في تعزيز منافع العولمة، فهي تجول العالم وتقدم الموارد بالطريقة التي تراها مناسبة وتتنافس لكسب العملاء، لكن احتمال أن تسيطر حكومة غامضة على النظام الرأسمالي العالمي هو أمر يصعب تقبّله. بهذه الطريقة، سيقوم المسؤولون، لا السوق، بتوفير الموارد، وقد تتحكم السياسة، لا نسبة الأرباح، بالقرارات. تزداد حدة الأصوات المتعالية التي تعبّر عن مخاوفها من هذا الوضع. فقد بدأت أستراليا وكندا، اللتان كانتا في السابق سوقين منفتحتين على عمليات شراء الشركات، تضعان العقبات في وجه الشركات الصينية التي تدعمها الدولة، وتحديداً في مجال الموارد الطبيعية، ومن الملاحظ أن بلداناً أخرى لم تعد ترحب بهذا الوضع أيضاً.لكن هذا الموقف خاطئ، إذ لا تزال الصين بعيدة كل البعد عن طرح تهديد من هذا النوع، ولاتزال معظم شركاتها تثبت أقدامها في السوق الخارجية. وحتى في مجال الموارد الطبيعية، وهو القطاع الذي نشطت فيه صفقاتها بشكل أساسي، فهي لاتزال بعيدة عن السيطرة على ما يكفي من الإمدادات لإغراق السوق بمعظم منتجاتها.كذلك، ليس النظام الصيني جامداً بقدر ما يفترض الأجانب، فالشركات الحكومية تتنافس محلياً وتتخذ قراراتها بالإجماع لا بشكل دكتاتوري. قد تكون دوافعها مختلطة في الخارج، وربما تُعتبر بعض القطاعات، كالبنى التحتية الدفاعية والاستراتيجية مثلاً، أضعف من السماح لها باختراق الأسواق الخارجية، لكن تبقى هذه المجالات قليلة نسبياً.ماذا لو استغلّت الشركات الصينية التي تملكها الدولة مقتنياتها في العالم السياسي لا في عالم الأرباح؟ طالما تستطيع شركات أخرى تلبية حاجات المستهلكين، لا أهمية لهذا الأمر. تستطيع الشركات الصينية الحصول بكل سهولة على حق اقتناء شركات للطاقة مثلاً في سوق تنافسية قد يستعين فيها العملاء بشركات أخرى، وفي حال طرحت الشركات الصينية الرساميل المدعومة في أنحاء العالم، فلا بأس بذلك لأن الولايات المتحدة وأوروبا قد تستفيدان من هذه الأموال. كذلك، يمكن مواجهة خطر أن تؤدي الرساميل الصينية القليلة الكلفة إلى إضعاف الخصوم بطريقة أفضل من خلال تعزيز قانون المنافسة بدل رفض الاستثمارات.لا تخضع جميع الشركات الصينية لسلطة الدولة، بل إن بعضها على درجة عالية من الاستقلالية ولا يهتمّ إلا بتحقيق الأرباح، وغالباً ما تحقق هذه الشركات أهدافها في الخارج. لنأخذ مثالا على ذلك فمالك شركة "فولفو" الجديد، جيلي، يُفترض أن تتمكن شركة "فولفو" الآن من بيع عدد أكبر من السيارات في الصين، ومن دون هذه الصفقة، كان مصير الشركة مظلماً.إظهار بعض الثقة في التعاملقد تجلب الشركات الصينية طاقة ورساميل جديدة إلى الشركات الضعيفة حول العالم، غير أن النفوذ سينصبّ هذه المرة في المعسكر الصيني حصراً، ولتحقيق النجاح في الخارج، سيتعين على الشركات الصينية التكيف مع الوضع القائم، ما يعني تعيين مديرين محليين، والاستثمار في الأبحاث المحلية، وتهدئة المخاوف المحلية، من خلال إنشاء فروع محلية لها مثلاً. تتفوق الهند والبرازيل على غيرها في الخارج بفضل تطور قطاع أبحاث الحمض النووي الخاص وثقافاتهما الأكثر انفتاحاً، لكن المديرين الصينيين لم يغفلوا عن هذه الحقيقة.قد يساهم تفوق الصين في جلب المنافع خارج النطاق التجاري الضيق، بعد أن تستثمر الصين في الاقتصاد العالمي، ستصبح مصالحها مرتبطة مع بقية مصالح العالم، وعند حصول ذلك، قد ينمو حماسها للتعاون مع دول العالم. وبالتالي، سينعكس رفض التفوق الصيني سلباً على الأجيال المستقبلية، بل إنه سيشكل إعلاناً تشاؤمياً للغاية بشأن ثقة النظام الرأسمالي بنفسه.
مقالات
الصين تشتري العالم
26-11-2010