آمال: مش ممكن
![محمد الوشيحي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1579110147954926500/1579110167000/1280x960.jpg)
من هذه اللقطات المؤثرة، قيل إن شيخاً طاعناً في السن أثناء وقوفه في الطابور للتصويت بـ«نعم» أو «لا» على تعديلات الدستور، رفع يديه وبصره إلى السماء، وقال بصوت عال مترهل وهو يكافح العبرات في بلعومه: «يا رب، انت بتعرف إن دي أول مرة في حياتي اخرج عشان أصوّت في الانتخابات، وتعرف إني عيّان وظروفي متسمحليش أتحرك خطوتين، وأديني جيت، فيا رب بارك في مصر وأهل مصر وانتقم لينا من العصابة اللي ذلتنا وهانتنا وكسرت نفسنا طول السنين دي كلها». فردد الواقفون في الطابور: «آمين... آمين... آمين».وأمام لجنة أخرى يصرخ صعيدي شهم وهو ينظر إلى إصبعه المغموس في الحبر الفوسفوري ويخاطبه بكل ما أوتي من نشوة: «عليّ الطلاق تلاتا منيش غاسلك». وهناك امرأة يبدو من هيئتها أن حظها من التعليم مثل حظنا من حكوماتنا، تخرج من إحدى لجان التصويت فتقبّل إصبعها «الفوسفوري» وتستجدي النسوة الواقفات في الطابور: «أنا في حلم والا علم؟ حدّ يقرصني ف إيدي». وفي وسط القاهرة يتحلق الشبان في دائرة وهم يرقصون ويغنون: «مصر بقى لونها بمبي» فترد عليهم مجموعة أخرى من الشبان: «لأه بقى لونها فوشيا». ويقول أحدهم وهو واقف في الطابور: «أول مرة في حياتي أحس إني بني آدم وليّه قيمة». ويغني آخر «صباعي فسفوري وهاغيّر دستوري». وفي لجنة أخرى يفاجَأ الواقفون في الطابور بالدكتور عصام شرف رئيس الوزراء «يستأذنهم» بالسماح له بالتصويت قبلهم لارتباطاته المتعددة، فـ»يأذنون» له. (هل لاحظت كلمتي «يستأذنهم» و»يأذنون له»؟ وهل كنت تعرف كيف كان رؤساء الوزارات في مصر المباركية يصوّتون؟ كويس أنك لاحظت والأكوس أنك تعرف ما الذي كان يحدث في الأيام الخوالي وتتذكر حكاية السجاد الأحمر وكسرى وقيصر). وإذا كان عصام شرف مشغولاً ويستحق أن يتجاوز الطابور، فإن مرشح الرئاسة السيد عمرو موسى عاطل عن العمل، لأنه يرأس جهازاً عاطلاً عن العمل والأمل، هو «جامعة الحكام العرب»، لذا فقد التزم بالطابور رغم أن الناس سمحت له بالتقدم عليها، لكنه رفض.والملاحظ هو نسبة الالتزام العالية باحترام الطابور، والأدب في الاختلاف... هذه هي مصر الحقيقية لا مصر المزوَّرة، التي شوه وجهها وزوّر بطاقتها مرتزقة الإعلام المصري وأوحوا بأنها لم «تشب عن الطوق» بعد ولا تستحق الديمقراطية الكاملة. وهؤلاء هم المصريون ينزعون ثقافة الرعب ويرتدون ثقافة الانتصار. النظام المباركي هو من فرض تلك الثقافة، وهو من جعل الأراذل في الصدارة، ومنذ اللحظة لن ينجح «نواب الخدمات» ولا «نواب الرشاوى» ولا المتردية ولا النطيحة، إلا في أضيق الحدود.هذه هي مصر... المحروسة بإذن الله، وعقبالنا وعقبال الحبايب، وأموت وأشوف وجه حسني مبارك وهو يرى الملايين ترقص في الطوابير... واللهم لا شماتة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة