هناك فقط فصيل ونصف من بين الفصائل الثلاثة عشر التي أعلنت الحرب من غزة المحاصرة على "المفاوضات المباشرة" وهما "حماس" التي تمتلك دولة في "القطاع"، و"الجهاد الإسلامي" التي غير معروف سبب وجودها مادامت شقيقتها الكبرى حركة المقاومة الإسلامية موجودة، وما عدا ذلك فإن ما تبقى هو أسماء كبيرة بلا مضامين، وهو مجرد بقايا وشْمٍ لمنظمات، غدت كمن يبقى في الديار القديمة الدارسة بعد أن يرحل الجميع، مع أنها كانت ذات يوم موجودة قبل أن تُطوى صفحة المرحلة التي كانت تعتبر مرحلتها.

Ad

في كل الأحوال ربما هذه المسألة ليست مهمة، مادامت الساحة العربية كلها تزدحم بعشرات بل مئات الأحزاب والتنظيمات التي هي مجرد ظاهرة صوتية وصدى لزمن لن يعود، هو زمن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والمهم هو أن هذه المنظمات قد أعلنت "الجهاد" ضد المفاوضات المباشرة، لا ضد إسرائيل، وذلك دون أن تعطي للشعب الفلسطيني فرصة اختبار هذه المفاوضات، ومعرفة ما إذا كانت نتائجها ستحقق بعض ما يريده أم أنها ستكون كارثية كما يقول هؤلاء.

إن المُفترض هو أن تعلن هذه المنظمات "الجهاد"، الذي أصبح فريضة غائبة بالنسبة إليها، على إسرائيل، لا على المفاوضات المباشرة لو أنه ليست هناك أجندة إقليمية أخرى غير أجندة الشعب الفلسطيني الذي "زهق" الاتجار بقضيته، والذي جرَّبَ كل العنتريات الفارغة، ومرت عليه بيانات كثيرة مثل بيان غزة الذي كُتب في إحدى عواصم المنطقة وأُرسل إلى "القطاع" المحاصر ليعلن من هناك لإعطائه هوية أُخرى غير هويته الحقيقية.

وبما أن المثل يقول: "الناس على دين ملوكهم" أو للمزيد من الدقة على دين مموليهم فإنه لا يمكن فهم هذا البيان إلا على أنه من قبيل "التخييط" بالمسلة الإيرانية وبالطريقة نفسها، حيث كان "الزعيم المحبوب" محمود أحمدي نجاد قد هدد بإفناء إسرائيل من الوجود إن اعتدت على بلاده، والسؤال هنا هو: لماذا لا يبادر الرئيس الإيراني إلى أن يُفني هذه الدولة قبل أن تقوم بأي عدوان على إيران مادام يعتبرها نبتاً شيطانياً، وأنها دولة مصطنعة وأنها يجب أن تزول من الخريطة العالمية.

ما كان يجب أن تتورط هذه المنظمات، التي من بينها منظمة ونصف فقط لها وجود فعلي على ساحة الصراع في فلسطين، في مثل هذا البيان، وذلك لأن العقلاء سيسألونها عمَّا كانت تفعله قبل "المفاوضات المباشرة"، وما إذا كان الأولى فك الحصار عن غزة؟ ولماذا لم تبدأ الحرب المقدسة على المستوطنات والمستوطنين منذ بدء الاستيطان وبدء بناء المستوطنات؟ ثم لنفترض أن هذه المفاوضات توقفت قبل أن تصل إلى شرم الشيخ فهل "الجهاد" سيتواصل أم أنه سيعود إلى غفوته الطويلة السابقة؟