على الرغم من الإغراء الإعلامي لما يجري، لكثرة الجمهور المتابع له، فإنني ما كنت لأنضم إلى الكرنفال الطائفي وحفلة الزار المشتعلة حالياً، من باب محاولة التهدئة أو التوجيه، كما كان يروق لي أن أفعل في السابق، فقد تكرر هذا المشهد الباهت إلى الحد الذي فقد فيه طعمه، بل صار يثير الغثيان، أضعاف أضعاف ما قد يثيره من الاهتمام والقلق!

Ad

واليوم أمسى كل ما يكتب عن هذا الموضوع بلا طائل، والحديث فيه عقيم، فلا أحد يريد أن يستمع ناهيك عن أن يقبل نصيحة أو توجيها، وأغلب من يكتبون ويصرحون فيه، لا يفعلونها إلا كانتصار لأفكارهم السقيمة أو لطرف ما على حساب الآخر، أو لمجرد إثبات موقف لا أكثر، وأنا لست من أهل ذاك ولا بحاجة إلى هذا، وأظن أن الكثيرين يشاطرونني هذا التوجه، فقد رفع الكثير من العقلاء الذين أثق برجاحة نظرتهم للأمور، من الجانبين، أيديهم عن الخوض في هذه المسألة، بعدما شعروا بعدم جدواها لعدم وجود إرادة حكومية حقيقية تتدخل لإيقاف هذه المهزلة المتواصلة.

إلا أن أكثر ما يثير الغثيان في الحقيقة، ليس ذاك الذي بدر من أطراف الفتنة الأساسية هذه المرة، فهذا قد اتفق أغلب الناس على رفضه، (وتظاهر الباقون بذلك)، وإنما هو تلك السلاسل المتتابعة من التصريحات والتصريحات المضادة من بعض النواب، والنشطاء والطارئين، ومعهم بعض المجانين والمخابيل من الذين انضموا إلى الحفلة، فوجدوا لهم وسائل إعلامية جاهزة متحفزة تتلقف تصريحاتهم الموتورة، وتنشرها في الآفاق عبر الفضائيات والإنترنت وخدمات رسائل الهواتف النقالة، بمعدل تصريح في كل دقيقة!

ولست هنا في وارد الدعوة إلى الحجر على وسائل الإعلام ومنعها من بث ما يأتيها، طالما أنها تعمل في دائرة القانون (لا دائرة الإحساس بالمسؤولية، وهناك فرق طبعاً)، إلا أنني أدرك أن بإمكان «السلطة»، وسأستخدم هذه اللفظة العامة متعمداً، لو هي أرادت، أن توقف الجزء الأكبر من هذا الانفلات والهيجان الإعلامي- النابع من عدم الإحساس بالمسؤولية أكثر بكثير من عدم الخوف من القانون- سواء من قبل من يقومون بإطلاق هذه التصريحات المريضة الملغومة، التي يدرك الناس أنها تقول أخطر بكثير مما يزعم أصحابها بأنها تقول، أو من قبل وسائل الإعلام التي تتردد عن بث هذه التصريحات.

كل ما يحتاجه الأمر هو اتصال هاتفي لهؤلاء، المصرحين والناشرين، والطلب منهم بالكف عما يقومون به، احتراما للظروف الإقليمية ووضع البلد وحفاظاً على أمن وهدوء المجتمع، ولا أظن أن أحداً من هؤلاء الراقصين في هذه الحفلة، لن «يحشم» هذا الطلب ويمتثل له دون أي إجبار، لو هو جاء فعلاً.

وهذا القول لا يعني أبداً إلغاء دور التدخل الأمني عبر أجهزة وزارة الداخلية لردع المتجاوزين والمسيئين، بل سيظل هذا الدور مهماً جداً، خصوصاً أنه تراخى إلى الحد الذي جعل البعض يسيء الأدب بعدما أمن العقوبة!

إن هذا البرود الرسمي تجاه ما يحصل، والسكوت عنه على مدى أيام طويلة حتى تفاقم واستشرى، والظهور أخيراً بتصريحات للنائب الأول ولوزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، لمجرد القول إن أجهزة الأمن بدأت تقوم بدورها في هذا الصدد، يجعلني أتساءل إن كان هناك من يستفيد مباشرة من هذا الذي يجري، وكأنه مسرحية عبثية تركت تجري في الواجهة، لينخرط فيها الأفاقون والسذج والبسطاء، في حين أن هناك ما هو أخطر وأهم يتم تمريره في الكواليس بعيداً عن مرأى الناس!

وإلا، هل يراد لنا أن نصدق بأن كل القضايا والقرارات المصيرية والصفقات الكبرى التي كانت تعصف بالبلد قبل هذه الفتنة، قد توقفت هذه الأيام بانتظار ما ستسفر عنه مباراة الحبيب والخميس والقلاف والبذالي وبقية الفريق؟ بالطبع لا!

ألم أقل لكم إن الأمر برمته قد صار مثيراً للغثيان؟!