رئيس الجامعة الإسلامية في الهند الشيخ محمد القاسمي: العقل الإسلامي عاجز عن إدارة الحوار مع الآخرين
شخصية ذات طابع متفرد، فهو المسؤول عن تخريج مسلمين مواكبين لظروف المرحلة الجديدة التي يمر بها المسلمون حالياً، ينشر بين طلابه التمسك بالفكر الوسطي والاعتدال وقبول الآخر واحترام كل المذاهب الإسلامية، ساعد في تطوير الجامعة الإسلامية بالهند بعد أن كانت مجموعة من الكتاتيب إلى جامعة تقوم بتدريس الدراسات الشرعية والعربية والعلمية، وأنشأ الكليات بها مثل الطب والهندسة والعلوم والإدارة حتى يتسنى للمسلم الاندماج في كل المجالات. إنه الشيخ محمد القاسمي رئيس الجامعة الإسلامية بالهند الذي يؤكد دائماً أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي استوعب الحداثة والعلمانية ولم تستوعبه، كما حذر من ارتفاع نسب الأمية بين الفتيات المسلمات والأطفال وغياب المسلمين عن التطلع إلى تولي المناصب والوظائف القيادية والشعور بالاغتراب داخل الهند... "الجريدة" التقته خلال زيارته الأخيرة للقاهرة وكان معه الحوار التالي.
● ما مجالات الدراسة في الجامعة الإسلامية بالهند التي تتولى رئاستها؟- الجامعة الإسلامية هي النواة الأولى للكيان التعليمي للمسلمين في الهند، فهي جامعة أهلية تقوم على التبرعات وتأسست منذ عام 1865، وأطلق عليها المدرسة الإسلامية العربية ومرت بمراحل تدهور طويلة، وكانت عبارة عن كتاتيب ومدارس ليلية إلى أن اتحدت وأدخلت إليها مجموعة من الكليات مثل الطب والعلوم والهندسة والعلوم العربية تحت مُسمى الجامعة الإسلامية، تقوم بتدريس الفكر الإسلامي والاعتدال والوسطية في الإسلام، وتدعو إلى عدم التفريق بين المذاهب وقبول الآخر.
● ما الذي يبذله المسلمون في الهند للحفاظ على هويتهم الإسلامية؟- المسلمون في الهند أقلية تعاني مثل ما تعانيه أي أقلية في شرق آسيا، بسبب الصراعات العرقية، والمسلمون في الهند يدينون بالولاء للحكومة إلا إذا تعارض هذا الولاء مع أمر من أمور عقيدتنا أو شريعتنا الإسلامية، فبعدما حاولت السلطات الهندية أن تفرض على المسلمين قانون الأحوال الشخصية وجدنا هذا القانون يتنافى مع الشريعة الإسلامية.والمسلمون في الهند ليسوا غرباء، فنحن عرفنا الإسلام منذ العهد النبوي، وتأسست في موانئ الهند جاليات مسلمة في هذا الوقت المبكر، كما أن الفتوحات الإسلامية للهند ما هي إلا حلقة من حلقات التعريف بالإسلام ونشره في شبه القارة الهندية، واستمر الحكم الإسلامي في الهند أكثر من عشرة قرون، وقد رصد المسلمون العديد من أملاكهم وأموالهم في هيئة أوقاف إسلامية للإنفاق منها للحفاظ على تراثهم الإسلامي المتمثل في المساجد، وقد بذل المجلس الإسلامي العالمي التابع لرابطة العالم الإسلامي جهوداً كبيرة في ترميم بعض المساجد الأثرية القديمة التي ترسخ لحقبة زمنية للمسلمين في الهند.● هل تنتشر اللغة العربية بين المسلمين في الهند، وهل أنجزتم ترجمات لمعاني القرآن الكريم؟- نسعى إلى نشر اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم عن طريق التوسع في إنشاء المدارس القرآنية والاهتمام بنشر حلقات تحفيظ القرآن بجميع المساجد، ولقد أنجز العلماء في الهند بالتعاون مع المؤسسات العالمية ترجمات معاصرة لمعاني القرآن الكريم باللغات الهندية والمتداولة في البلاد، ونحن نرى أن هذه الترجمات من العوامل المهمة لنشر تعاليم الإسلام الصحيحة بين المسلمين، كما تأتي إلينا المصاحف وترجمات لها بلغاتها المختلفة من الدول الإسلامية، ومازلنا نحتاج إلى دعم في المجالات التعليمية والتعريبية. ● هناك من يزعم أن الإسلام غير قادر على تقديم حلول وبدائل لمواجهة المشكلات، فكيف ترون ذلك؟- الإسلام هو الدين الوحيد الذي استوعب الحداثة ولم تستوعبه، بينما الحداثة والعلمانية والغزو الفكري والثقافي غزت واخترقت كل الديانات الأخرى وأعادت ترتيبها، والإسلام لم يعبر قط عن عجز وعن ذهول أو حيرة إزاء تطورات تحدث في العصر، ولكن الإسلام لا يزال مكبلاً في الغالب بالأنظمة الديكتاتورية التي تجعله باستمرار في حالة دفاع عن وجوده بدلا من تطوير هذا الوجود، والمسلمون في شرق آسيا والهند والصين وباكستان وتركيا وماليزيا، استطاعوا من خلال الحرية المتاحة أن يشكلوا وعياً إسلامياً متعايشاً مع التطور، وأرى أن هناك قدراً من الإعاقة في الفكر الإسلامي يتمثل في ضعف واضح يصل إلى درجة العجز في إدارة الخلاف سلمياً في ما بيننا وبين غيرنا، ومعظم مسلمي آسيا وقعوا تحت نفوذ الغرب، وتسللت إليهم إسرائيل في ظل تقصير العالم الإسلامي في التواصل والتعاون معهم، ونحن بصدد وضع خطة استراتيجية متكاملة لمواجهة التنصير الغربي في آسيا بشكل علمي.● ما ترتيب المسلمين في التعليم من بين الديانات الأخرى الموجودة في الهند؟- للأسف الشديد نسب التعليم بين المسلمين ضعيفة جداً، وهذا راجع إلى الفقر الشديد الذي يعانيه مسلمو الهند، كما أن الأمية تصيب نصف الفتيات المسلمات إلى جانب نسبة التسرب العالية في التعليم، بسبب الفقر وزيادة الطلب على عمالة الاطفال، بينما ترتفع نسبة التعليم بين مسلمي الجنوب التي تصل إلى أكثر من 95 في المئة لتمتعهم بدخول عالية والتحاقهم بالتعليم الحكومي الهندي ووجود الوزارات والمصالح وتوافر فرص العمل، وجاء آخر تقرير عن نسب التعليم بالهند ليشير إلى أن المسلمين يأتون في المرتبة الأخيرة في التعليم من بين الديانات الموجودة.● كيف تشعرون بمعاناة المسلمين وقضاياهم في الشرق الأوسط والعالم؟- الهند رسميا وشعبيا مع القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني المغتصب والرأي العام الهندي يشجب الممارسات الإسرائيلية الخاصة بالاحتلال والاستيطان اليهودي وخاصة مدينة القدس باعتبارها مدينة إسلامية وكذلك وضع مسلمي العراق، ونحن في الهند نتابع باهتمام تطورات الأوضاع في هذه المنطقة، وترانا أكثر حماسة للحفاظ على الشعبين الفلسطيني والعراقي.● في ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية هل مازالت الدعوة إلى الإسلام بالطرق القديمة كافية للتعامل مع الآخر؟- الإسلام اليوم ليس في حاجة إلى أتباع، ولكن في حاجة إلى إزالة الصورة المشوهة عنه، ومما لاشك فيه أننا الآن في زمن المعلوماتية, وبات العالم كله مكشوفاً بلا حدود وكأننا في مدينة صغيرة جميعاً، ويظهر فيها العالم الإسلامي كشخص بدون صوت غير مؤهل للتواصل والمنافسة، ومتى كان للتعليم نصيب كبير بشكل يخدم مجتمعاتنا يومها سيرفع العالم رأسه لينظر إلينا ويستمع، ومع هذا يتطلب ذلك منا محاورة الآخر بطريقة جديدة تتواكب مع سرعة العصر.