«في هامشك أو في سماك»
نفلسف الدنيا نحن كثيراً في مجالسنا النسائية، نبحث بلوعة عن كمال ما في رجل ما لم يولد بعد، نُنَظِّر حول الحب وأحواله ومقاييس صدقه. يتطور الحديث بحسب البرامج التلفزيونية في حينها، فمسلسل «نور» جلب الكثير من الآهات والحسرات، ومسلسل «الحاج متولي» استدعى أقسى اللعنات، أما مسلسل «زوارة خميس» فقد أتى بحملة تحسبات التي لولا رحمة من رب العالمين، لقضت على رجال الأرض كما طوفان النبي نوح. أضايق أنا الصديقات عندما أتفلسف بمنطقي المعهود: ما أريد من الرجل هو الاحترام والصدق، وأن يؤمن تماماً بمساواة الجنسين. «ويييه» عادة يكون رد الرفيقات، في رد فعل متوقع «للكليشيه» الذي أردده بانفصال كاريكاتيري عن دفء وصدق الحديث، لا أدري كيف أخبرهن الحقيقة، فعندما أضعها في كلمات، تتشكل حقيقتي بسيطة لحد السذاجة أو معقدة لحد «البياخة»، فأكاد أرى وجوههن وقد استطالت وحلوقهن وقد سقطت بسبب درجة «انعدام السالفة» عندي، فالرجل العظيم في نظري هو رجل كريم في أوليات أخلاقه، فيعطي وقته وأذنه وصبره، وهو رجل تنساب ثقته في نفسه وتتدحرج بين قدميه كلما تحرك من مكانه. أما الحب فهو قصة أخرى، أجد أجمل لحظاته في كوب شاي وحديث ممتد، لا ينقطع إلا «وهي» تنظر في ساعتها فتشهق لاكتشافها أن العشر دقائق حديث قد امتدت لثلاث ساعات، وبعد، لم تشبع هي من رفيقها، وبعد لم يمل هو حديثها، وبعد لم ينته الحديث، وأجد أصدق لحظاته في أوجع لحظات الحياة، حين تقع «هي» على غير توقع، فإذا بيديه تلتقطانها، فقط لتكتشف أن اليدين ممددتان على الدوام تحسباً لأي لحظة تعثر.
وهذا الرجل الهادئ حازم صارم، تخافه «هي» ألف مرة أكثر مما تخاف الزوجات أزواجهن التقليديين، يربطها بسلسال حديدي من توقعاته وثقته اللامحدودة فأخشى ما تخشاه نظرة منه تحمل خيبة أمل أو اهتزاز ثقة، وهو رجل قلبه مدينة بضواحيها وأريافها، تستقبل الجميع، ربيعها دائم وشمسها مشرقة بلا أفول، إلا أن لها «محافظا» واحدا هو «هي» بكل دكتاتوريتها وشموليتها، وحتى عندما يأتي صغارهم «الإقطاعيون الجدد» بكل لا مبالاتهم، فيستقطعون من قلبه جزءا بعد جزء، مهمشين مكانتها ونفوذها ومبعثرين شموليتها، وحتى بعد أن تقبل الإقطاعية الصغيرة الأخيرة بكامل غطرستها، بقامتها التي لم تبلغ المتر و»فلافل» رأسها وطرقعة قدميها الصغيرتين، فتطرد «المحافظ» من قصرها، وتدفع بها خارج أراضيها الشاسعة إلى «زنقة» صغيرة على هامش القلب، يبقى هو رحيماً بملكها الآفل «فيذكرها بخير» من حين لحين، وترضى «هي» ببروليتاريتها الجديدة مترنمة «ما بي أكون إلا معاك، في هامشك أو في سماك» فيضحك برواق مؤكداً لها أن منصب المحافظ في قلبه عربي الطابع لا انتخابات تحكمه ولا مدة تنهيه، وتقبل «هي» بمجاملته وهي تعلم «بصورية» منصبها، وأن النفوذ الحقيقي هو عند الإقطاعية الجديدة الصغيرة... ليحفظها الرب ويسامحها. هو رجل يؤمن بمقولة «الشوفيني» جبران خليل جبران: «الرجال الذين لا يغفرون للنساء أخطاءهن الصغيرة لن يتمتعوا أبداً بفضائلهن العظيمة»، فيغفر بحبور ويجد بها من الفضائل ما لا تجد هي في نفسها. رجل ثابت شامخ، حتى مغفرته تنبئ عن ثقة واعتزاز بالنفس هما أكثر جاذبية من ألف «مهند» نستخدمه لأغراض المقارنة في مجالسنا النسائية. رجل يفرح لأفراحها الصغيرة، يستمع لها وهي «تربرب» عن يومها التسوقي، يواسيها وهي تشتكي تفاصيل عملها الذي لا يهمه، رجل حازم لا يرضى أن ينكشف في يوم نقاب عقلها، رجل حر يقدر قيمة حريته، فلا يرضى بأقل منها «لها»، فتجده يقلدها صباح كل يوم جناحين أبيضين لتطير بهما، يطلقها في هواء الدنيا وهو لا يشك لحظة في رجوعها المشتاق إليه. وفي كل يوم يقلدها هو هذه الأجنحة، تربض هي عند قدميه، لا تترجى أكثر من محبته ورضاه. هذا هو الرجل كما يجب أن يكون، رجل ولد في مثل هذا اليوم، منذوراً لسعيدة حظ مرضي عنها، لا تدري لم تستحق هي هذا النصيب، فتصلي وتبسمل وتحوقل كل يوم كي يبقى النصيب وعين الحسود لا تصيب.كل عام وأنت بخير.