خلي بالك من التقسيم!
«خلاص»... السودان سيصبح سوادانين شمالياً وجنوبياً, مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية, وكل عام وأنتم بخير فنحن دخلنا فعلياً في عقد التقسيم الذي رغم ما سيحمله من تحولات تاريخية وجغرافية كبرى فإنها لن تكون شيئاً يذكر أمام تحولات العقد الذي يليه والذي يمكن أن نسميه عقد التشطير, وهكذا ندخل في تلك المرحلة التي كان قد لخصها أحد المثقفين العرب في عبارة خاطفة كانت تتكرر في الفاصل الإعلاني لقناة الجزيرة في سنواتها الأولى، حيث كان وهو يقاوم تجاعيد الزمان: «نحن الآن في مرحلة تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ»... ويحق لنا اليوم أن نترنم بموشح: «جادك الغيث يا زمان سايكس بيكو»!
أينما يممت وجهك في ديaار بني يعرب ستجد التقسيم أمراً واقعاً، أو على الأقل أمراً محتملاً، أو على الأقل خطراً يلوح في الأفق, في فلسطين حدث التقسيم قبل التحرير, صورة كاركاتيرية لم يكن يتخيلها أكثر الفلسطينيين تشاؤماً قبل عقدين من الزمان, وفي لبنان أصبح التقسيم منسجماً مع الوحدة يأكل معها وينام معها ويمضيان معاً إلى السوق دون أي مشكلة, وفي العراق كل شيء ينفصل عن نفسه, كل روح تتملص من جسدها الدافئ, كل عين تتأمل طريق الفراق الشائك!التحدي الأكبر الذي تواجهه الدول العربية اليوم هو أن تبقى كل واحدة منها على حالها البائسة! السكون هو الإنجاز الوطني الأهم في السنوات القادمة, والتغيير أصبح يعني بالضرورة نهاية الدولة الواحدة، أما الديمقراطية والتعددية والاستفتاء العام, وحقوق الإنسان وحرية الاختيار فكلها مفاهيم أصبحت تعني- للأسف الشديد- أن يعود كل منّا إلى قبيلته دون أن يسأله أحد: لماذا فعلت ذلك؟!حمى الارتداد إلى الهويات الصغيرة من السمات الأساسية لعصر العولمة, خصوصاً في المجتمعات التي تستهلك العولمة ولا تشارك في صناعتها, صحيح أن رياح العولمة تهب في اتجاه عالم واحد ولكنها تؤدي بالضرورة إلى انكفاء الأفراد الذين يسيرون في العراء على أنفسهم كي يتفادوا الريح العاتية. عالم واحد متصل وفرد وحيد معزول... بين هاتين المنطقتين ستسير الكثير من الشعوب العربية على خيط العولمة الرفيع وهي تحاول الحفاظ على توازنها الذي أصبح مرتبطاً بسلسلة معقدة من التوازنات الداخلية والخارجية!ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد أي دولة عربية اليوم بعيدة عن خطر التفتيت والتشذرم, ولهذا يكثر الحديث عن الوحدة الوطنية في كل مكان!قد لا يكون الخطر ماثلاً للعيان في بعض الدول ولكن هذا لا يلغي وجوده, خصوصاً أنه يحتاج إلى سنوات عديدة كي ينتقل إلى مرحلة الخطر الداهم, وهي المرحلة التي لا يحب الناس فيها الحديث المكرر عن الوحدة الوطنية لأنهم يرون أن الحديث عن حق الاختيار سيكون أكثر جدوى!* كاتب سعودي