هل كان «العراق الجديد» أكثر خطورة على العرب من إسرائيل؟

نشر في 29-09-2010
آخر تحديث 29-09-2010 | 00:01
«العراق الجديد» - بكل بساطة - كان يمكن له أن يكون الأمثولة العربية الديمقراطية، فيما لو كان جيران العراق هم هولندا، والنرويج، والسويد، والدنمارك، وسويسرا، وأخذوا بيد العراق إلى الديمقراطية، ولم يقطعوا هذه اليد بسيوفهم كل يوم.
 د. شاكر النابلسي -1-

ما هو "العراق الجديد"؟

"العراق الجديد"- بكل بساطة- هو العراق الذي أنهى الحكم الدكتاتوري الصدامي صبيحة التاسع من أبريل 2003، ولكن تبين لنا فيما بعد- وللأسف الشديد- أن دكتاتورية الأفندية متمثلة بالنخب السياسية العراقية الموجودة معظمها الآن على الساحة السياسية العراقية، هي أكبر شراسة، وأشد قسوة، وأكثر تمسكاً بالسلطة والدفاع عن شرعية هذه السلطة، ممن سبق أن حكم العراق من دكتاتوريات مختلفة منها العائلية (الأمويون والعباسيون والمماليك والعثمانيون والهاشميون وغيرهم) ومنها الحزبية، والعسكرية المعروفة.

-2-

"العراق الجديد"- بكل بساطة- أصبح للأنظمة العربية المختلفة من دول الجوار ودول المزار والدمار نمر من ورق، بعد أن كان في 2003 وما بعدها بسنوات قليلة، نمر ديمقراطي حقيقي، يخيف الأنظمة العربية كافة، ذات الديمقراطيات المزيفة (الديكورية) وتلك التي لم تزل تتهجى كلمة "ديمقراطية".

-3-

"العراق الجديد"- بكل بساطة- هو البلد العربي الوحيد في التاريخ العربي القديم والحديث، الذي استعان بدول أجنبية تكلفت أكثر من 4500 قتيل من جنودها وأكثر من 500 مليار دولار من جيوب شعبها، لاقتلاع نظام دكتاتوري عسكري وحزبي وعائلي من العراق. ورغم هذا فجلُّ العراقيين الآن، خصوصاً في الداخل العراقي، يبصقون بوجه هذه الدول، ويرمونها بشتى اتهامات السرقة، والنهب، والفوضى، والتسيّب، وجلب الفئات السياسية الفاسدة والحرامية للعراق.

-4-

"العراق الجديد"- بكل بساطة ورغم ما فيه من عيوب سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة- فإنه يظل البلد الوحيد في العالم العربي، الذي يقول للحاكم الأعور: "يا أعور"، ولا يقول له: "يا صاحب العين الكريمة المطفأة". وربما يشارك العراق الجديد في هذا "مصر الجديدة" في عهد مبارك، حيث يتم نقد رأس الدولة كما لم يتم في مصر منذ أكثر من خمسة آلاف سنة. ولهذا، ربما تخاف معظم الأنظمة العربية من "أمثولة" العراق الجديد كما سبق أن خافت في الستينيات من أمثولة "تونس البورقيبية" عندما تبنت "مجلة الأحوال الشخصية" "الثورية"، وقالت للعرب: "خذوا وطالبوا"، ولكن العرب لم يسمعوا ذلك ورموا بورقيبة في أريحا عام 1965 بالبيض والطماطم الفاسدة. وبعدها لم يأخذوا، ولكنهم ظلوا يطالبون، ولم يحصلوا على شيء حتى الآن!

-5-

"العراق الجديد"- بكل بساطة- كان يمكن له أن يكون الأمثولة العربية الديمقراطية، فيما لو كان جيران العراق هم هولندا، والنرويج، والسويد، والدنمارك، وسويسرا، وأخذوا بيد العراق إلى الديمقراطية، ولم يقطعوا هذه اليد بسيوفهم كل يوم. ولم يكتفوا بذلك، بل فرّغوا الساحة السياسية العراقية من السياسيين الأشراف القلائل جداً في العراق، وعزلوهم عن العراق بأن أغدقوا عليهم من الأصفر والأخضر. ونشروا قواتهم السرية والخفية تحت كل حجر عراقي، وتمترسوا تحت كراسي السلطة، وفي قاعاتها.

-6-

هذا ملخص سريع للعراق الجديد الآن، ونأمل أن يتغير في المستقبل القريب، ويصبح أكثر جدة، بحيث نرى الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة والمحسنة من "العراق الجديد". وتلك الطبعة لا تأتي بالأماني والمعجزات، ولكنها تأتي بالعمل الجاد والمنظم، الذي لن تظهر نتيجته إلا بعد سنوات طويلة، أصبح الشعب العراقي بحاجة إلى العمل فيها بجد وصدق، لكي يعرف كيف يختار ممثليه السياسيين الصادقين الشرفاء. فالديمقراطية لا تتحقق عبر صناديق الاقتراع فقط، ولكنها تتحقق عبر وعي الشعوب بها وإدراكها لها. فما معنى أن تتم انتخابات نزيهة بين شعوب جاهلة لما تقرأ، وقارئة لما تجهل؟! وهذا ما حصل بالأمس (2004) في غزة مثلاً حين جرت انتخابات تشريعية نزيهة. ولكن 70% من الناخبين الذين انتخبوا "حماس"، كانوا من الأميين فلم يقرؤوا. وإن قرأ البقية، فلا قراءة لمكتوب عقلاني وواقعي، من قبل مرشحي "حماس".

 فكيف يمكن للديمقراطية أن تكون وتتحقق، عندما يكون الناخب الأمي أمياً أبجدياً، أو أمياً سياسياً، أو أمياً رغم أنفه، ويكون المرشح من دون برنامج انتخابي واضح وواقعي ومنطقي، وإنما هو نتيجة مظاهرات شعبوية، ومهرجانات وشعارات حماسية صاعقة؟!

-7-

أما الجواب عن سؤال: لماذا تعتبر معظم الأنظمة العربية "العراق الجديد"  أكثر خطورة عليها من إسرائيل؟ فيتلخص فيما يلي:

1 - إسرائيل ليست نظاماً سياسياً مهدداً للأنظمة العربية، لكي تنادي الشعوب بالاحتذاء بها، وبذا تكون تنادي بالاحتذاء بنظام دولة صهيونية. وإن كان هناك بعض الليبراليين الشجعان الذين يعيّرون الأنظمة العربية بدكتاتوريتها بين حين وآخر، وينادون بالأخذ بالديمقراطية الإسرائيلية، دون وعي منهم أن الديمقراطية الإسرائيلية هي لشعب إسرائيل المثقف والواعي القادم من شرق أوروبا ومن غربها، وقلة منهم من العالم العربي. وهم الذين حملوا إلى إسرائيل التعصب والتشدد والممانعة. ورفضوا الحياة الجديدة، ويرمون السيارات المارة بأحيائهم بالحجارة كل يوم سبت. وهؤلاء هم الأصوليون الدينيون "السكناج". وهم كالأصوليين المسيحيين والمسلمين، لا فرق كبيراً بينهم.

2 - إسرائيل لا تسعى، ولا تهتم بتصدير ديمقراطيتها العَلْمانية إلى الدول العربية، كما كان هدف "العراق الجديد" في بداية سنوات انطلاقه، وكما جاء على لسان ناطقه (أميركا) في ذلك الوقت. فلا خوف من إسرائيل. وإنما كان الخوف كل الخوف من "العراق الجديد"، الذي كان يتهدد الأنظمة العربية، فأصبحت الأنظمة العربية، هي التي تهدده الآن!

3 - وأخيراً، لم يكن لإسرائيل منذ بداية تأسيس دولتها عام 1948، رسالة سياسية جديدة للعالم العربي، لما يُعرف بـ"التدخل في الشؤون الداخلية". وكان كل ما تريده هو الاعتراف بها كسارق للوطن الفلسطيني، وأن تعيش بسلام، وهي تحتضن هذه السرقة. بينما كان لـ"العراق الجديد" هدف دمقرطة بقية بلدان العالم العربي، وإزالة الأنظمة الدكتاتورية منه، كما تمَّ في العراق. وهكذا جاء "العراق الجديد" يحمل سيفه- وربما كان سيف الحق- في وجه كثير من الأنظمة العربية.

*كاتب أردني

back to top