ثقافة تدمير الدولة والتنمية المزعومة
عندما تغيب دولة القانون والمؤسسات الدستورية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والمساواة، وعندما تسود ثقافة وقيم الاستزلام والنفاق الاجتماعي والسياسي، وينتشر الفساد والإفساد والاستهتار العلني في مؤسسات الدولة وقوانينها على المستويات كافة فإن ذلك يعتبر مؤشرا خطيرا على بدء تآكل الدولة الدستورية الحديثة، وقرب عملية فشلها ثم انهيارها، ويزداد الأمر سوءا عندما تحل الانتماءات والولاءات الفرعية والثانوية الطائفية والقبلية والفئوية محل الانتماء والولاء الوطني كنتيجة طبيعية لغياب دولة القانون والمؤسسات الدستورية، إذ يتم السكوت عن، إن لم يكن تشجيع، عملية تضخيم الاختلافات الطبيعية الثانوية بين المواطنين المتعلقة بأصولهم وأعراقهم ومذاهبم الدينية، وبروز الولاءات الفرعية وتجاهل قضية المواطنة الدستورية من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية الخاصة والآنية على حساب المصلحة الوطنية العليا.ومع كل أسف فقد ازدادت في السنوات الأخيرة عملية تدمير وتآكل دولتنا الدستورية الديمقراطية، خذ على سبيل المثال لا الحصر، الاستقطابات الطائفية الحادة والانتخابات الفرعية التي تقوم على أسس طائفية وقبلية وفئوية، والتي أصبحت هي الآلية المتبعة والناجعة في الوصول إلى مجلسي الأمة والبلدي، فضلا عن إجراء بعض، إن لم يكن كل، المجاميع الطلابية داخل وخارج الكويت والنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات التعاونية للانتخابات الفرعية المحظورة قانونيا مع أن ذلك يعتبر عدم اعتراف علني بدستور الدولة وقوانينها، ومظهرا من مظاهر تفكك الدولة الدستورية وتحولها إلى "دويلات" طائفية وقبلية وفئوية معزولة ومتنافرة. زد على ذلك أن عمليات تولي المناصب العامة لا تخضع في الغالب الأعم لمعايير الكفاءة وتكافؤ الفرص، بل إنها تخضع في الدرجة الأولى للترضيات السياسية والمصالح الخاصة ولعملية الاستزلام والنفاق والتزلف، وهو ما يعتبر أيضا مظهرا من مظاهر تآكل دولة القانون والمؤسسات الدستورية.
والأدهى والأمر هو عجز الحكومة والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والقوى الطلابية عن وقف عملية تدمير الدولة ومحاربة الفساد بأشكاله كافة رغم الشواهد الكثيرة والمتعددة التي تدل على الانقسام غير الطبيعي والمضر للمجتمع الذي يمنع عملية اندماج المكونات الاجتماعية الفرعية الطبيعية في الوطن الواحد، ورغم الحالات الكثيرة والمختلفة على انتشار عمليات الفساد وتضارب المصالح وهدر المال العام، والتي جعلت ترتيب الكويت يتراجع عالميا في قائمة منظمة الشفافية العالمية، وهي حالات فساد فاحش وظاهر للعيان يعترف بها بعض كبار مسؤولي الحكومة، وتسجلها وتعلنها المؤسسات الرسمية والشعبية مثل ديوان المحاسبة ولجان التحقيق في مجلس الأمة وجمعية الشفافية الكويتية، وهو الأمر الذي يدل أيضا على أن هناك خللا كبيرا يتعلق في كيفية إدارة شؤوننا العامة، فإن الحكومة تتحمل دستوريا الجزء الأكبر منه، رغم إدراكنا جميعا للخطر القادم الذي سيترتب على تدمير دولة القانون والمؤسسات الدستورية الديمقراطية.أخيراً إنه من العبث السياسي والاجتماعي التحدث عن عملية تنمية مليارية مزعومة في الوقت الذي نرى فيه تآكل دولة القانون والمؤسسات الدستورية الذي نشاهد بعض مظاهره في تجاهل أسس وقيم المواطنة الدستورية وبروز الانتماءات الفرعية على حساب الانتماء الوطني وغياب مبادئ الكفاءة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والمساواة، إلا إذا كان الهدف من التنمية المزعومة ليس الإنسان بل تنمية الجيوب المنتفخة أصلا!