بالعربي المشبرح، حريتنا الصحافية والإعلامية في الكويت، كما نفطنا، تتناقص، وما لم نبحث عن «مكامن» أخرى فستنضب. وغالبية صحفنا تتسابق وتتزاحم على حوض الحكومة ومائدتها. والصحف الكويتية (لمن لا يعرف من غير الكويتيين) صحف خاصة لا حكومية، بيد أنها في الفترة الأخيرة تجاوزت الصحف الحكومية في البلدان العربية القمعية في الدجل والنفاق والرقص حافية القدمين على بلاط الحكومة طمعاً في النقوط.

Ad

وقريباً سنبكي عند قبر حرياتنا كما تبكي الخلوج ابنها (يدّعي الشعراء أن بكاء الناقة الخلوج على ابنها ليس كمثله بكاء)، وسيجرّنا الناس ليبعدونا عن القبر، فنقاومهم فنعجز، فنغادر ونحن نلوي رقابنا إلى حيث قبرها.

وفي مصر، اشترى رئيس حزب الوفد «السيد البدوي» و»رضا إدوارد» وشركاؤهما جريدة «الدستور»، وهي الجريدة المعارضة الأكثر شراسة، والثانية انتشاراً، والتي تخلو من الإعلانات وتعتمد على البيع المباشر واشتراكات القراء. وقد دخلتُ مبناها المتواضع جداً، فأدركت أن الصدق والهمّة والشجاعة تستطيع أن تبقى على قيد الحياة حتى وإن لم تجد ما تأكله. وإذا كان الساسة ينقسمون إلى «صقور وحمائم»، فجريدة «الدستور» من أشد الصقور شراسة. (لا أدري هل هذه مقالة أم عالم الحيوان!).

المهم، اشترى «البدوي» و»إدوارد» الجريدة من مالكها ومؤسسها عصام إسماعيل فهمي، على أن يبقى «إبراهيم عيسى» رئيساً لتحريرها، ويبقى «إبراهيم منصور» رئيساً للتحرير التنفيذي كما كان، ويبقى بقية الطاقم كما هو... وهنا ثارت ثائرة القراء الذين يدعمون الدستور كما يدعم المشجعون الإنكليز أنديتهم، بجنون وحُب، فهاجموا إبراهيم عيسى وعنّفوه بل وشتموه بتعليقاتهم على موقع الجريدة، خوفاً من أن يتغير خط الجريدة، فتتحول إلى طبلة في يد حزب الوفد، وهو ما أنكره «عيسى» فصدّقوه وصدّقناه.

وكل هذا لا يهم بقدر ما يهمني تصريح المالك الجديد «السيد البدوي» الذي أعلن أن الملّاك لن يتدخلوا في السياسة التحريرية للجريدة إطلاقاً، إذ لا يجوز – وهذا كلام البدوي أو معنى كلامه – أن يفرض ذوو الأموال آراءهم على الناس.

وما إن قرأت التصريح حتى صرخت: «ينصر دينك أيها السيد البدوي»... فعلاً، هذا ما كنت أردده للأصدقاء من الزملاء الكتّاب: «لا يروّضنكم ملاك الصحف ورؤساء التحرير»، قلت هذا بعد أن تزايد تذمر الزملاء الكتّاب من تناقص الحرية (في بالي الآن أكثر من ثمانية كتّاب، من ذوي الوزن الثقيل والمتوسط، من مختلف الصحف، يشكون منع مقالاتهم أو تقطيعها وتشويه جثثها). والخطر والموت الحمر هو أن يكتب الكتّاب ما تمليه عليهم صحفهم، فيصبح المال هو صاحب القلم، وتتحول الصحف إلى حظائر، ويصبح الكتّاب قطيعاً من الخرفان التي لا تغادر الحظيرة خوفاً من فقدان العلف.

طبعاً هذا لا يمنع أن ينظر الكاتب إلى مؤسسته الصحافية التي يعمل فيها كما ينظر إلى أهله، فيدافع عنها ويحميها من هجمات الجراد، ويتجنب الصدامات مع إدارتها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. أما إن وصلت الأمور إلى منتهاها، فليحمل «عزبته» على ظهره وليغادر، فلن يجوع، واسألوا الشاعر السعودي الأمّي الحكيم سعد بن جدلان الأكلبي الذي صاغ قصيدة شامخة، لطالما أزعجْتُ آذان الأصدقاء وأنا أغنّي عجز أحد أبياتها: «الفول بريالين والخبز بريال».

فيا زملاء، ثوروا لا أبا لكمُ، ثوروا بمقالاتكم وإن مُنعت، ثوروا قبل أن يُدخلكم الراعي الحظيرة.

***

الإعلامي الجميل تركي الدخيل، أهلا بك زميلاً في رحاب هذه الجريدة الليبرالية... الدلة يا ولد.