من المتوقع أن يحسم المجلس خلال الأيام القادمة قانون التعاونيات الجديد، ومع أننا كنا نتمنى أن يحدث هذا القانون تغييراً حقيقيا في القطاع، فإن رضوخ النواب لضغوط مجالس إدارات الجمعيات الحالية سيحول دون ذلك.
ففكرة الجمعيات التعاونية كانت فكرة رائدة هدفها خدمة المناطق مع إعطاء أرباح سنوية جيدة لمساهميها، لكن، وكحال كثير من المؤسسات، انحرف كثير منها عن مسارها لتكون سبباً للفساد، ومن أبرز مظاهر الفساد عملية الانتخاب التي تعطي لكل مساهم حق انتخاب 3 أعضاء سنوياً. ففي بداية تجربة التعاونيات كان أغلب المرشحين يخوضون الانتخابات بشكل فردي، أما بعد ذلك، فباتت القوائم السمة الأبرز فيها، والتي تتشكل على أسس طائفية وقبلية وعائلية أدت إلى شرخ كبير في المجتمع.قد يقول قائل إن انتخابات مجلس الأمة أيضاً تستند إلى هذه الأسس، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الشرخ الذي أحدثته انتخابات الجمعيات بالمجتمع أكبر بكثير لأنها تقام سنوياً، وينتخب المساهمون أكثر من 100 عضو مجلس إدارة في كل سنة، مما يعني ترشح المئات سنوياً، وما يصاحب ذلك من تنافس خرج عن أصول المنافسة الشريفة في أغلب الأحيان، وشخصياً أعرف قصصاً كثيرة عما أحدثته انتخابات الجمعيات من اختلافات حادة بين أشقاء، وأبناء عمومة، بل بين الأزواج بصورة لم نرَ مثلها في انتخابات مجلس الأمة.إضافة إلى ذلك، باتت انتخابات الجمعيات مظهراً سنوياً للنفاق الاجتماعي، إذ يتجمع فيها أبناء المنطقة، وتجد الجميع يتبادلون القبل والحديث عن ذكريات الماضي والمدرسة، لكن الأغلبية تذهب إلى صندوق الاقتراع لتصوت لمصلحة قوائم فصل عنصري وطائفي لا مبرر له، وكل ذلك من أجل «شوية خضرة» و»معجون طماط»!ولذلك، تأملنا خيراً من قانون الحكومة الذي ينص على انتخاب 5 أعضاء فقط لأربع سنوات مع حق المساهم في التصويت لمرشح واحد فقط حتى يتم القضاء على ظاهرة القوائم التي أفسدت العملية الانتخابية، لكن يبدو أن النواب رضخوا لضغوط أعضاء مجالس الإدارات الحالية، فعدلت هذه المادة في اللجنة الصحية إلى انتخاب 9 أعضاء مع حق التصويت لمرشحين اثنين فقط؛ مما يعني استمرار ظاهرة القوائم واستمرار فساد العملية الانتخابية.ومن الطبيعي أن يدافع أغلبية أعضاء المجالس الحالية عن طريقة الانتخابات الحالية لأنهم، وببساطة، مستفيدون من هذا الوضع الفاسد، إذ تؤدي سيطرة قائمة واحدة- طائفية كانت أم قبلية- على جمعية معينة، وتجانس أعضائها سبب لتوزيع حصة التنفيع والتربح غير المشروع بين الأعضاء وليس إلى تطوير أداء الجمعية وحماية حقوق المساهمين.ومع أن القانون الجديد (حتى مع تعديله) سيكسر ظاهرة احتكار الجمعيات على فئة معينة دون غيرها، لكن ستظل الانتخابات تقوم على القوائم التي أعتبرها ظاهرة خطرة أدت إلى كثير من السلبيات. أما عن ظواهر الفساد الأخرى في الجمعيات وفي وزارة الشؤون المشرفة عليها، فالحديث يطول جداً لأنه فساد «ما تشيله حتى حديقة الحيوان».
مقالات
فساد انتخابات الجمعيات التعاونية
26-05-2011