مأزق الرئيس سعد
ماذا ستختار حكومة سعد الحريري في لبنان، حكم العدل أم حكم الأمن؟ سؤال طرحه الكاتب البريطاني المهموم بالقضايا العربية روبرت فسك في ثنايا مقال له بـ"الإندبندنت"، الإجابة محيرة ومزعجة لروبرت "فالحقيقة" محزنة عنده بعد أن دفعت به إلى العودة للهم اللبناني؟ لنسأل من جديد بصيغة أخرى: هل يمكن التوفيق بين حكم العدل وحكم الأمن...؟صاحب العقل الواعي سيضحك ساخراً من هذا السؤال! فالإجابة عنده بديهية، فحكم العدل هو حكم الأمن. وهذا صحيح بالنسبة إلى الدول والمجتمعات المتقدمة والمتجانسة بسكانها ووعيها بوحدة "الهوية الوطنية"، لكن ماذا عن لبنان بالدرجة الأولى وبقية الدول العربية بالدرجة الثانية غير المتجانسة، إذ تسود العصبيات الدينية والطائفية والقبلية التي تتغذى شرورها من غياب العدالة الاجتماعية وسيادة قيم الفساد في مؤسسات الدولة... كيف يكون الحكم هنا؟
إذا اختار سعد الحريري حكم القانون والعدل فهذا سيعني ضياع لبنان حين يلج في حرب أهلية بين الشيعة والسنة، وكل طائفة سنية أو شيعية لها تحالفاتها وحساباتها مع طوائف مسيحية، وكل طائفة ستدخل حرباً ضد الأخرى "بالأصالة" عن نفسها و"نيابة" عن دول أخرى وجدت بلبنان وبحكم التاريخ القريب الأرض المستأجرة الرخيصة الثمن لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية. إذا اختار سعد الحريري حكم الأمن وبقاء "ما كان على ما كان" من غير نبش جريمة قتل والده، التي يتهم فيها بعض أعضاء حزب الله بقرار من المحكمة الدولية، فهو سيختار طريق السلامة، وطريق "الواقعية" السياسية، وهي واقعية ظالمة حين "يطنش" الابن سعد حكم القانون والعدل ويتناسى أنه ولي الدم للراحل والده، فبقاء الأمور بشكل وهيئة الدولة أفضل كثيراً من غياب وضياع "شكل الدولة" بالكامل، فلا أحد يريد العودة إلى زمن ما بين 75 و90 من القرن الماضي، ولا أحد يريد أن يستلهم نماذج الصومال والعراق (نوعاً ما) واليمن غير السعيد.كيف يمكن لسعد الحريري أن يوفق بين الأمرين، وهو ما انفك يعيده (التوفيق) مراراً وتكراراً في تصريحاته حين يغازل حزب الله مرة ومرة أخرى يؤكد ضرورة احترام المحكمة الدولية وقراراتها؟ معضلة رئيس الوزراء لا يمكن حلها "توافقياً" على الطريقة اللبنانية المعتادة، طالما أقررنا ببديهية بأن حكم العدل يساوي حكم الأمن، بينما هناك في لبنان من يرفض تلك البديهية العقلية، مؤكدا أن حكم العدل هو حكم القوة ولا يبدو أن للنفق اللبناني المظلم نهاية...!