تتحضر مصر والأردن والبحرين، ثلاثة من أقرب الحلفاء العرب للغرب، جميعها لإجراء انتخابات عامة، لا يُتوقع حدوث مفاجآت كبيرة، ذلك لأن حكام كل منها وجدوا وسائل لإبقاء الموالين لهم في مراكز المسؤولية وإبعاد المعارضين، وفي جميع الأحوال ليس لأي من برلماناتها تأثير كبير. مع ذلك، تشكّل هذه السباقات ساحة نادرة للانشقاق المنظم، وبقدر لا يقل أهميةً، لاختبار براعة الأنظمة في توجيه اللكمات لمنافسيها، لاسيما الإسلاميين، من دون التسبب في رد فعل سلبي من داعميهم.

Ad

سيكون للانتخابات في مصر، المُزمَع إجراؤها في نوفمبر (لم يُعلن موعدها بالتحديد بعد) الأثر الأكبر، وذلك بفضل سكانها البالغ عددهم 85 مليونا، وموقعها الاستراتيجي، وتأثيرها الثقافي بين العرب ورئيسها الطاعن في السن الذي لم يتضح بعد خلفه. فبعد تسلمه السلطة طوال أكثر من ثلاثة عقود، يجري الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة الرئيس حسني مبارك السباق السياسي على هواه، فأصدقاء الحزب يديرون الشرطة، وأجهزة الأمن، والمحاكم والمجالس الرسمية التي تعطي مثلاً الرخص للأحزاب الأخرى وتشرف على الانتخابات. وبما أن داعمي الحزب الوطني الديمقراطي هم أصحاب الجيوب الملأى، يستطيع الحزب إذن توزيع «الهدايا» في موعد الانتخابات. والأفضل من ذلك أن الحزب الوطني الديمقراطي يستطيع التعويل على انقسام المعارضة إلى فصائل متحاربة، ما يضمن له عودة سلسة أخرى إلى السلطة.

تبدو فرص أحزاب المعارضة المشهورة التي تستعد لانتخابات الشهر المقبل متدنيةً جداً. فأقواها، حركة "الإخوان المسلمين"، غير شرعية عملياً، لذا يخوض مرشحوها الانتخابات كـ"مستقلين". في وقت سابق من العام الحالي، انضمت إلى ثلاثة من أكبر الأحزاب العلمانية في جبهة موحدة للمطالبة بضمانات بأن يكون التصويت عادلاً، لكن الحكومة تجاهلتهم، كما تجاهلت مناشدات من الحكومات الغربية بالسماح بدخول مراقبي الانتخابات المستقلين، لكن هذه الجبهة الموحدة بدأت تتداعى مع انضمام "الإخوان المسلمين" إلى معظم الأحزاب الصغرى في مصر التي تهافتت على تسجيل مرشحيها، بما فيها بعض المشتبه في عقدها اتفاقات سرية مع الحزب الوطني الديمقراطي للحصول على مقاعد رمزية.

لم يحدث هذا الانقسام في الصفوف شقاقاً في المعارضة بإطارها الواسع فحسب، إنما أيضاً في الكثير من الأحزاب، فقد تفرع من حركة "الإخوان المسلمين" المعروفة بانضباطها الشديد جناح منشق لا يخشى التعبير عن رأيه ويتّهم قيادة الحركة بإضفاء الشرعية على ما يعتقد أنه سيكون مهزلة انتخابية. في المقابل، دعم حملة مقاطعة الانتخابات التي أطلقها محمد البرادعي، رئيس سابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. يُذكَر أن عودة هذا الأخير إلى مصر هذا العام وانتقاداته اللاذعة لنظام مبارك أثارت موجةً من الدعم، محفّزةً الكثير من المصريين الذين تجنبوا الخوض في الشؤون السياسية لكونها في نظرهم غير مجدية. وقع بالتالي مليون ناخب على عريضة، برعاية البرادعي ومدعومة من الإخوان المسلمين، طالبت بإجراء تعديلات دستورية لإرساء مبادئ الديمقراطية الطبيعية. لكن ذلك يبدو فارغاً اليوم.

قد تبدو الحماسة لخوض السباق الانتخابي مفاجئة، بالنظر إلى أن قلة قليلة من المصريين تتكبّد عناء التصويت، وقلة تتوقع أن تكون الإجراءات أو الفرز لهذا العام مختلفة عما كانت عليه خلال الانتخابات العامة السابقة في عام 2005. شهدت تلك الأخيرة أعمال عنف وتزويراً فاضحاً، ومع ذلك أحرز فيها "الإخوان المسلمون" تقدماً قياسياً بعد فوزهم بخمس المقاعد بالرغم من تنافسهم على ثلثها. دفعت هذه النتيجة المذلة بالحكومة المصرية إلى تشديد القوانين أكثر فأكثر لجعل تحدي الحزب الوطني الديمقراطي أكثر صعوبةً، وتكثيف مضايقة "الإخوان المسلمين"، بما في ذلك سجن قيادييهم.

لكن مثل هذه الضغوط باتت أقل حدةً على ما يبدو في الأشهر الأخيرة، ربما لجذب حركة "الإخوان المسلمين" لدخول اللعبة الانتخابية، لكن في خلال الأيام القليلة التي أعلن فيها أعضاؤها ترشحهم، تصاعدت التهديدات مجدداً. فرفضت مراكز الشرطة منح البعض في حركة "الإخوان المسلمين" شهادات حسن السلوك الضرورية لتسجيلهم كمرشحين. هذا واعتُقل عشرات منظمي الحملات المحلية، منضمين بذلك إلى المئات ممن سبقوهم إلى السجن (فضلاً عن وجود عدد أكبر بكثير من إسلاميين أكثر تطرفاً وراء القضبان).   

علاوةً على ذلك، شددت الدولة الخناق على وسائل الإعلام، فأُجبرت شبكات البث والصحف الخاصة، وهي صاحبة نفوذ جديد متنام في السياسة المصرية وإشارة نادرة إلى تطور ديمقراطي، على إسكات منتقدي النظام. أما الشركات المسؤولة عن نقل الرسائل النصية الهاتفية، بما فيها الخدمات الإخبارية والإعلانات الانتخابية، فيجب أن تستحصل اليوم على رخص وتخضع للمراقبة الحكومية.

من جهتهم، يشير مؤيدو الانتخابات في صفوف المعارضة إلى أن المرة الأخيرة التي حاولوا فيها المقاطعة في عام 1990، استبعدهم الحزب الوطني الديمقراطي بكل بساطة ومنعهم من المشاركة لخمس سنوات. تتيح الانتخابات بالتالي لـ"الإخوان المسلمين" بشكل خاص فرصة استعراض قوتهم في الشارع وأيضاً الترويج لالتزامهم بالديمقراطية والتغيير السلمي. فضلاً عن اعتبار هؤلاء الهدف المتمثل على المدى الطويل في نشر مفهومهم للإسلام أكثر أهميةً من تولي السلطة، يقدرون أيضاً أنه حتى لو تقلصت قوّتهم في مجلس الشعب، كما يخمّن كثيرون، فإن شأن من يتحدون النظام بسبب لجوء هذا الأخير إلى الحيل السيئة سيرتفع. فقد تلطّخت صورة النظام مسبقاً بفعل اختيار الحزب الوطني الديمقراطي مرشّحيه، فضلاً عن الشجارات بين المتنافسين على المقاعد المضمونة والتي تمنح شاغليها مخصصات مثل الحصانة البرلمانية.

في ما يتعلق بالأردن، يمثل الحزب المتفرع من حركة "الإخوان المسلمين" المصرية، "جبهة العمل الإسلامي"، أقوى أحزاب المعارضة، لكن هنا أيضاً، تُرجح القوانين الانتخابية كفة السباق لمصلحة الموالين للأسرة الهاشمية الحاكمة. تتيح قوانين تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل خاص تمثيلاً أوسع للدوائر الانتخابية الريفية حيث الكثافة السكانية المنخفضة من الدوائر ذات الكثافة السكانية العالية في المدن وحيث الغالبية من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية. بخلاف مبارك، مارس الملك عبدالله مرتين حقه الحصري لحل مجلس الأمة.

يُشار إلى أن الانتخابات العامة المُزمَع إجراؤها في التاسع من نوفمبر تأتي بعد سنة من الحكم الملكي المباشر، أُقر خلالها نحو 30 قانوناً، أحدها قانون انتخابي "موقت" تجاهل مطالب "جبهة العمل الإسلامي" والكثير من الأحزاب العلمانية بإجراء إصلاحات. بنتيجة الأمر، تقاطع هذه الجبهة الانتخابات لهذا العام.