كتب لي القارئ «نوزاد» من السويد مقالة جميلة يتحدث فيها عن العنصرية، ويقول إنه مقيم في السويد منذ 20 عاماً كأي مواطن سويدي فيها، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ولم يسأله أحد طوال إقامته هذه عن قوميته أو ديانته، وأنهم علموه احترام الإنسان والمرأة وحب الخير لأي كان، وقد بلغ عندهم الاحترام للغير لحد أنهم أوجدوا قانوناً يعاقب أي شخص بالسجن لو ضبط في فعل قول النميمة والنفاق الكاذب.

Ad

ويقول إنه له صديق سويدي زار إحدى الدول العربية، وعند عودته منها علق في التلفزيون السويدي على أنه شاهد حضارة إسلامية رائعة لكنه لم يشاهد مسلمين.

ويضيف القارئ بقوله: إننا نتحجج بالدين للوصول إلى غاياتنا، ونخلق لها الفتاوى لكي نفعل ما يريحنا، وقد رأيت كتابة على جدار أحد المسابح العربية مكتوب عليه

«العقل السليم في الجسم السليم» هذه المقولة عنصرية لأنه يوجد معاقون قدرتهم الإنتاجية والتفكيرية تفوق ألف إنسان سليم.

وأيضا رأيت كتابة أخرى في مكتب من مكاتب العمل تقول: العمل شرف الإنسان، وهذه أيضا عنصرية، فهناك أناس تسعى الى الحصول على العمل لكن فرص العمل قليلة وهذا لا يعني أنهم بلا شرف.

وفي رأيه أن الطريق الوحيد للقضاء على هذه الأمراض التي تسود المجتمعات العربية يتمثل في الخلاص من العنصرية وحب الذات، والديمقراطية هي الحل الحضاري لتطوير الشعوب والرقي بها.

ما كتبه السيد نوزاد هو داء حقيقي متمكن من الشعوب العربية، العنصرية وعدم احترام الآخر للأسف هو أمر مستفحل فينا، ونظرة واحدة لأي مجتمع عربي تكشف عنصريته في الصميم، فكل قومية تنظر إلى الأخرى بازدراء، وكل ديانة لا تحترم الديانات المختلفة عنها، وكل طائفة أو أي انتماء كان ينظر باستخفاف إلى المختلف عنه، والغني يحتقر الفقير، والذكي يستخف بالأقل ذكاء منه، والشاطر يبلع حقوق الأقل مكرا عنه.

حتى في الحقوق القانونية هناك عنصرية تفرق ما بين الذكر والأنثى، فتميل القوانين إلى جانب الذكورة لتميز الرجل عن المرأة في الحقوق والواجبات.

هذه العنصرية وليدة ميراث لتاريخ موغل في القدم، وهناك شعوب استطاعت التخلص منها بوعيها الثقافي والحضاري، للأسف نحن لسنا منها بالرغم من أن الديانات السماوية الثلاث قد حضت على حب الآخر واحترامه، ونظرة واحدة مثلا للأمثال التي يتربى عليها وعي الناس تكشف لنا كمّاً هائلاً من العنصرية وهذه عينة منها: «اللي مو على دينك ما يعينك» «مال عمك لا يهمك» يا شين شيء ما شابه أهله» «سيل ما يبلك ما يهمك»، «من طلع من داره قل مقداره».

النظر إلى أقوالنا المأثورة تبين لنا كم هي تربي على عدم حب الآخر لأنه غريب ليس من ملتك ولا من طائفتك ولا طبقتك ولا من دينك أو حزبك ، فأي شيء يحدث له لا يخصك مادمت أنت بنأي عن مصيبته، وأنك ناج منها، وإذا بإمكانك أن تهدر ماله أو تسرف في استعمال ما يخصه فلا تتردد مادامت قيمتك محفوظة في مكان يخصك مع قومك الذين أنت مثلهم وهم مثلك، وأنت تشبههم وهم يشبهونك.

هذه النظرة الدونية إلى كل ما يخص الآخر هي بلاؤنا في عنصريتنا الخاصة بنا، وهذه الأمثال وغيرها من حكم وأقوال وأشعار يجب ألا يستهان بها، فهي المسمار الذي ينغرز في وعي الطفولة المبكرة، وليتربى عليها بعد ذلك الوعي كله.