إن لم يحفظ الصحافي أسرار مصادره، ولم يصن الطبيب أسرار مرضاه، ولم يحرص الباحث على أمانة بحثه العلمي، ولم يصن المحامي أسرار موكليه، فإننا سنعيش في عالم من الخوف، وسنشعر بأننا نعيش في عالم خال من الأخلاقيات ومليء بكثير من الزيف والفضيحة. تحكي لي صديقتي عن أن بعض الأطباء في الكويت- وأشدد على كلمة بعض- لا يحترمون القسم الذي قطعوه على أنفسهم بالحفاظ على سرية المريض وهويته، حاولت أن أدافع ولكني تذكرت حادثة حصلت لي قبل سنتين عندما ذهبت إلى المستوصف لأجري بعض فحوصات الدم، وإذا بأخت إحدى زميلاتي في العمل توجد في نفس غرفة الدكتور، وهي دكتورة أيضاً، وقد أجادت فن التجسس على هويتي والتحري بدافع «الفضول الكويتي» عن اسمي وسبب عملي لفحص الدم، ولولا أني كنت في مستوصف منطقتي لشككت أن هناك جريمة حصلت يحتاجون فيها التعرف على DNA الخاص بي للتحقق من أمر الجريمة.

Ad

وأدى فضول صديقتنا الدكتورة «الملقوفة»- بعد إجراء البحث والتحري الذي مع الأسف لم تعثر فيه على مرض خطير أو محرج، واكتشفت أنها فقط تحاليل دورية مما جعلها تشعر بخيبة أمل لأنها لم تجد قصة تحكيها في زوارة الأهل، وتتسلى بقصص المراجعين والمرضى، ورغم ذلك لم تكتفِ بهذا القدر من «اللقافة»- إلى اتصالها باختها وقالت لها: «ها زميلتكم في العمل حضرت اليوم لإجراء بعض تحاليل الدم عسى ما شر»؟

وكأني ارتكبت جريمة تستحق الشرح مما جعل تلك الزميلة تتصل بي بدافع «اللقافة» وأجبتها ما شر! فحص دم عادي حالي حال الناس، ولكن لا أنكر أن هذا السلوك ضايقني كثيراً!

وتكررت على مسامعي قصص مشابهة عن أطباء يتندرون بقصص عن مرضاهم في الديوانية، مع ذكر أسمائهم دون أدنى احترام للقسم أو لخصوصية المريض، متجاهلين أخلاقيات عملهم، بل متناسين مدى صغر مجتمعنا وبالتالي سهولة انتقال هذه النوعية من القصص.

إن لم يحفظ الصحافي أسرار مصادره، ولم يصن الطبيب أسرار مرضاه، ولم يحرص الباحث على أمانة بحثه العلمي، ولم يصن المحامي أسرار موكليه، فإننا سنعيش في عالم من الخوف، وقتذاك سنشعر بأننا لا نستطيع أن نأتمن الطبيب على مرضنا ولا المحامي على مشكلتنا ولا نثق بمصادر أخبار الصحافي، ومن ثم سنعيش في عالم خال من الأخلاقيات ومليء بكثير من الزيف والفضيحة ونشر الأسرار والغسيل على مسمع ومرأى الجميع.

على الرغم من أن الإسلام دين مليء بالقيم الجميلة التي تحث على الأمانة وعدم التجسس ونبذ النميمة، فإننا في الواقع نجد عديدا من المسلمين يمارسون هذه الأفعال، رغم حرصهم على لبس الحجاب وإطالة اللحى، لكنهم نسوا جوهر الدين وتمسكوا بمظهره وتلك هي مشكلة بعض المسلمين الذين لم يتحلوا بأخلاق الإسلام.

«قفلة»:

«اللقافة» كلمة كويتية تعني الإنسان الفضولي الذي يتدخل فيما لا يعنيه، وهي سمة مزعجة حيث تتكاثر مع الفراغ... وتعتبر من الطباع المنتشرة في الكويت وتكاد تصبح ظاهرة يصعب التحكم بها، اللهم لا تحاسبنا على «لقافة» البعض في أمورنا ولا تجعلنا من «الملقوفين».