نعيش في الكويت حالة من القلق تمتد إلى محيطنا الإقليمي، رغم إحساسنا بأن وضعنا السياسي أكثر تحصيناً ومنعة بسبب ما تركه لنا الآباء المؤسسون من دولة بإطار مؤسساتي ديمقراطي تستطيع به أن تواجه المتغيرات، وتحدث نفسها تلقائياً بالحوار والإقناع بعيداً عن حركات العنف والثورات التي ينتج عنها فترات انتقالية طويلة من عدم الاستقرار والضحايا، ولكن تبقى حالة القلق قائمة بسبب توجهات المجتمع الطائفية والعرقية، ونمو حالة الفرز وبصفة خاصة المذهبية في المنطقة.
نعم نشأت الكويت الحديثة كدولة مدنية دستورية تعلي قيمة المواطنة والاندماج لكل مكونات المجتمع للعمل تحت مظلتها، ولكن وبعد أن انحرفت في منتصف السبعينيات إلى الإسلام السياسي وشُجع على إدماجه في العمل السياسي وأخذه كوسيلة لمواجهة الحركات الديمقراطية الوطنية، وكذلك فكرة تصدير الثورة في إيران، استبدلت مظلة المواطنة بالمرجعية الدينية، واستمد السني أدوات العمل السياسي من تعليمات حسن البنا وسيد قطب والمودودي والشيخ بن باز، وكذلك فعل الشيعي بتفاعله مع فتاوى الخميني والمدرسي والسيستاني، وترك إمام المسجد منبره ليخوض الانتخابات البرلمانية، ولحقه بعد حين السيد المعمم بترك حسينيته ليدخل بزيه المميز إلى قاعة البرلمان.ويقيناً أنه لو كانت الحياة السياسية عندنا مدنية، كما كانت بداياتها، لكان الحراك الطائفي معزولاً ومنبوذاً ولا يمكن تسويقه وخلق المناصرين له، ولكن بدلاً من ذلك انتعشت دعوات تسييس الدين، وامتدت بسبب استجابة الناس وتحفيز دول المنطقة القديم له، ونتائجه الوخيمة تتوالى باصطفافات من السياسيين على أساسه، ولو راجعنا نتائج وإنجازات الخطاب الإسلامي السياسي على مدى الـ35 سنة الماضية لما وجدنا سوى معارك عبثية لتحقيق رموز دينية للمجتمع، مثل منع الاختلاط في التعليم العالي وإطلاق لحى العسكريين وضوابط الحفلات ومواجهات السيد الفالي وياسر الحبيب وكلام فضفاض وملتبس عن التنمية بفكر الاقتصاد الإسلامي للإخوان والسلف ورؤى مذهب الاثنى عشرية المختلفة.ورغم النماذج المفزعة للإسلام السياسي في إيران وأفغانستان والحكم المبني على حصص الطوائف في لبنان والعراق، وكذلك المواجهات المذهبية في البحرين، والتوتر المقلق الذي شهدناه في الكويت بسبب الطرح الطائفي، وأمثلة أخرى مخيفة لتطبيقات تسييس الإسلام، فإن البعض مازال مصمماً على أن إقحام الدين في السياسة وإدارة الدولة هو الحل ولا يلتفت إلى حديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، بينما الحل الأسلم مهما طال الزمن هو خلق دول مدنية في المنطقة تعطي نموذجاً للتعايش وحرية الفكر والعقيدة، ودون ذلك فإن المنطقة كلها مهيأة للاقتتال ومواجهات لا يعلم إلا الله مداها وعواقبها.
مقالات
ثمن الإسلام السياسي
27-03-2011