انشغلت عناوين الأخبار بتسريب ويكيليكس آلاف الوثائق الخاصة بوزارة الخارجية الأميركية التي لا تُعتبر سرية للغاية، وقد ركزت هذه العناوين على نحو مبرر على عامل الإحراج، فمن المعيب للدبلوماسية الأميركية أن يرى القادة الأجانب ما ظنوه حوارات سرية منشوراً على مواقع الإنترنت وفي الصحف.

Ad

لكن محتوى هذه الوثائق بالغ الأهمية، لنتأمل في ما تكشفه بشأن إيران؛ تُظهر تسريبات "ويكيليكس" أن الولايات المتحدة لا تكذب بشأن ما تريده من إيران، أن إدارة أوباما تسعى بدأب للتوصل إلى حل لا يشمل ضربة عسكرية، وأن مجموعة واسعة من البلدان تشمل معظم أوروبا وجيران إيران العرب، لا إسرائيل فحسب، تشاطر الولايات المتحدة مخاوفها.

تفيد تقارير "ويكيليكس" أن العاهل السعودي، الملك عبدالله، حض الرئيس أوباما على "قطع رأس الأفعى". لا شك أن هذا أحرج الملك، إلا أنه لم يفاجئ أيا من رعاياه الذين كانوا يراقبون التطورات على الساحة السياسية، كذلك، تشير هذه البرقيات إلى رد الفعل الساخر لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، الذي أصر على أن تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران فكرة سيئة. فقد قال إن السعوديين "يريدون محاربة الإيرانيين حتى آخر أميركي".

لكن هذه البرقيات العشوائية لا تكشف كل التفاصيل، فبعد قراءتنا كل الوثائق المسربة عن إيران، قد نغفل عن واقع بالغ الأهمية: فقد بدأت تظهر اليوم دلالات على أن حملة إدارة أوباما الطويلة لزيادة الضغط على إيران تحقق تقدماً ملموساً.

نجحت العقوبات الاقتصادية الدولية أخيراً في تضيق الخناق على إيران. فقد توقفت شركات النفط الأوروبية الكبرى، مثل بي بي (BP) وشل (Shell)، عن تزويد إيران بمنتجات النفط المكررة التي تحتاج إليها. كذلك، تسعى المصارف الأوروبية وغيرها من الشركات للحد من تعاملها مع طهران.

ولهذه التدابير تأثير كبير في الحكومة الإيرانية، ففي شهر سبتمبر، انتقد الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بسبب رده العشوائي على هذا التحدي. فقال رفسنجاني: "لم يسبق أن عانينا عقوبات مشددة إلى هذا الحد". حتى أن أحد القادة الدينيين شكك علانية في ما تقوله حكومة أحمدي نجاد عن معدل التضخم. يبلغ هذا المعدل رسمياً 9%، إلا أن إيرانيين كثراً يشعرون أنه أعلى بكثير.

بات الاقتصاد الإيراني هشاً، فقد شهد مصدر الدخل الأهم في البلد، إنتاج النفط، تراجعاً حاداً، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن إيران ما عادت قادرة على الحصول على استثمارات وتكنولوجيا وخبرات جديدة من معظم البلدان.

وإذا نفذ أحمدي نجاد خططه ورفع الدعم الذي أبقى الكثير من ضروريات الحياة، مثل الكهرباء والماء والبنزين والخبز، بخس الثمن (لايزال سعر البنزين 38 سنتاً للغالون الواحد)، فسيشعر الإيرانيون بضيق أكبر.

في تلك الأثناء، يعمل البعض على تخريب برنامج الأبحاث النووية الإيراني، فقد أقر أحمدي نجاد قبل أيام أن هجوماً أجنبياً على برامج الكمبيوتر "تسبب بمشاكل" في المنشأة الرئيسة التي تخصب اليورانيوم لتجعل من استخدامه ممكناً في الأسلحة النووية، التي تدعي إيران أنها لا تريد تطويرها. كذلك، قتل مجرمون كانوا يقودون درجات نارية عالِماً نووياً بارزاً يوم الاثنين وجرحوا آخر بإلصاق قنابل مغناطيسية على سيارتيهما في طهران. لم تعلن أي حكومة مسؤوليتها عن هذه العملية، بيد أن الصحف الإسرائيلية أفادت أن جهاز الاستخبارات في بلدها استخدم هذه التقنية في الماضي.

مع تنامي الضغوط، أعلنت إيران أخيراً أنها ستستأنف المفاوضات النووية مع القوى الغربية الكبرى في جنيف بدءاً من الأسبوع الجاري.

ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها في إعادة إحياء اقتراح نقل معظم يورانيوم إيران المخصب إلى خارج البلد مقابل تزويد الإيرانيين بوقود نووي آمن يمكن استخدامه لأغراض طبية. قبلت إيران بهذه الفكرة السنة الماضية، إلا أنها ما لبثت أن بدلت رأيها. وتود إيران راهناً توسيع المحادثات لتتخطى المسائل النووية. وقد أعربت القوى الغربية عن استعدادها للقبول بذلك، شرط إحراز تقدم على الصعيد النووي.

تشكل هذه المساعي حملة عالية المخاطر هدفها تمرير الوقت لإبطاء الساعة النووية الإيرانية. يشكك مسؤولو إدارة أوباما في أن يكون النظام الإيران مستعداً لتغيير مفاجئ في مخططاته ورغبته في تطوير أسلحة نووية. إلا أنهم يعتقدون أن من الممكن اعتماد هذه الخطوات لإبطاء المساعي الإيرانية. ولا شك أن أي تأخير في هذه اللعبة يعتبر نجاحاً كبيراً. فكلما أُرجئ عمل إيران النووي، تنامت فرصة أن تمسك حكومة جديدة بزمام السلطة وتقرر تبديل مسارها، لكن هذا لا يلغي خطر أن تقرر إسرائيل في مرحلة ما أن وجودها واستمرارها يتطلبان تنفيذ ضربة عسكرية.

لكن الجيد في هذه المسألة أن المسؤولين الأميركيين يؤكدون أن الطريق مازال مفتوحاً أمام المساعي الدبلوماسية. فلم يتمكن الإيرانيون بعد من إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم الذي يمكن استخدامه لغايات عسكرية.

لا شك أن إدارة أوباما تستحق التقدير لما حققته حتى اليوم، صحيح أن النقاد يعتبرون عرض أوباما الحوار على إيران ساذجاً واعتماده على العقوبات الاقتصادية غير فاعل، لكن هذه العقوبات زادت بالتأكيد الضغط على إيران. ولولا الحوار لما كانت العقوبات ممكنة. لم تحل المشكلة الإيرانية بعد، غير أن الإدارة الأميركية أحرزت تقدماً ملموساً، تقدماً لا يمكن لمجموعة من البرقيات المسربة إظهاره.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus