هل هي فوضى؟!
أمامنا عربياً هذه الأيام صورة تكاد تكون مكررة.
يتحرك شعب مقموع مسحوق محروم من أبسط أنواع الحريات ومضطهد في رزقه وعيشه يطالب بإصلاحات جذرية، وربما تغيير نظام انتهت صلاحيته.وبالمقابل يتحرك ذلك النظام المتخلف في الاتجاه المعاكس عبر أجهزة أمنه لضرب ذلك التحرك بيد من حديد بحجج عديدة، فالرئيس أو النظام يرى نفسه شرعياً حتى بفساده، وبقيادته المجتمع إلى التدهور والتراجع، كما يرى النظام نفسه أيضاً أنه المدافع عن تماسك المجتمع وأمنه، ويحذر أن أولئك المتظاهرين ليسوا إلا «شوية زعران» مغرر بهم، فحتى وإن كان بعض المتظاهرين قد أحسنوا النوايا إلا أن زعماء الفتنة يأتون من بين الأزقة و»الزنقات» والشوارع الضيقة ليخدعوهم، فالنظام هو الذي سيخمد الفتنة. كذلك يتباهى النظام أو الرئيس، لا فرق، بأنه خدم شعبه وتفانى في خدمته، وأنه أي الرئيس أو النظام، لا فرق، ليس بطامع في السلطة، بل إن التصاقه بكرسي الرئاسة لم يكن ليكون إلا بسبب «الصمغ الوطني» الذي لا يمكن التخلص منه بسهولة، كما تؤكد الرئاسة أنها لن تسلّم السلطة لأولئك العابثين، مدمني المخدرات، الذين يتحركون كمسرح العرائس بخيوط أجنبية، وربما ينهي الرئيس أو النظام عباراته مبتسماً، بل وضاحكاً، دون احمرار أنف أو خد أو خجل، بأنه، أي النظام أو الرئيس، لا فرق، ظل مدافعاً عن شرف الأمة، والقتال في الخندق القومي، وإيقاف المشاريع الخيانية عن العمل، وبالتالي فإن كل تلك المؤهلات، و»سوابق» الأعمال، والمرتكبات تخول ذلك النظام الاستسلام لقوة «الصمغ الوطني» وعدم ترك الرئاسة، لا بل وسحق أولئك الذين لا يتفهمون حساسية الظروف الراهنة، ويصرون على التآمر على القيادة الوطنية التاريخية الشرعية. بالطبع من يشاهد أذنَي ذلك الرئيس، وذلك النظام يراهما تطلان علينا كلاقط للبث، ولكنهما كما يبدو قد تعطلتا منذ زمن.أما أقوى الحجج التي ترددها تلك الأنظمة وعدد من الأصوات فهي أن سقوط النظام سيؤدي إلى الفوضى، وهي حجة متهافتة وملتبسة، وهي ليست نتيجة ضرورية، ولا حاجة لها لو أن ذلك النظام أو ذلك الرئيس قد استوعب حجم الدمار والفساد والتكسير والتردي والانتهاكات التي ارتكبها ومازال يرتكبها نظامه بحق الناس عموماً وإهانته لكراماتهم.وعلى أية حال، فالفوضى ليست بالضرورة نتيجة حتمية، أما إن حدثت فهي نتيجة لتخريب مستمر عانته الشعوب لعقود مضت، وهي قابلة للإصلاح والتصالح، فحرية الناس وكرامتهم أساس لبناء مجتمع مستقر، عادل، يعيش فيه جميع البشر دون قهر.