لأول مرة في التاريخ أيضا يخرج الثوار بيافطات فكاهية مضحكة، فالمزج بين الجد والهزل لم يفسد للود قضية, والشعب المصري مسالم لا يميل إلى الشغب، ويعلم أنه بالثورة يسعى إلى مستقبل مجهول؛ لكنه وبكل بساطة لم يستطع تحمل «الجمود» أكثر من ثلاثين عاما. دخل العالم العربي أخيراً إلى عالم جديد ألا وهو فن التغيير السياسي والاجتماعي وإطلاق الأفكار دون تردد، أقول ذلك بعد انطلاق ثورة الشباب في مصر أو التي أطلقت الأفكار الداعية إلى التغيير والتجديد في جميع الاتجاهات وبموجات متتابعة.

Ad

تلك الثورة الشبابية التي أدت إلى تنحي «الرئيس» مبارك عن الرئاسة، أدخلت البلاد في مرحلة جديدة وحرجة تولى من خلالها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في ظل بروز «إعلامي» لشخصيات كالمشير حسين طنطاوي بصفته القائد العام للقوات المسلحة، والذي وبالمناسبة, شارك في حرب تحرير الكويت عام 1991 حسب ما جاء في صحيفة الأهرام المصرية، ورئيس الأركان سامي عنان.

انطلقت الثورة باتجاه التغيير، ولم تقف أمام التعهدات التي قدمها مبارك وعمر سليمان والضمانات التي قدمها المجلس الأعلى لضمان انتقال السلطة، والتي كانت في نظر البعض كافية ومطمئنة؛ إلا أنها لم تكن كافية في نظر شباب ميدان التحرير للانتقال إلى نظام ديمقراطي في ظل انتخابات حرة ونزيهة.

البعض أخذ موقف الرفض والبعض شكك في الحلول المطروحة، والبعض يحلم بمطاردة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، والضمانات تكمن في الثورة الشعبية التي تمت في الخامس والعشرين من يناير والتي أيقظت الكل، وبدأت على النحو الجذري أو كما يسمى grassroots»»، ففجرت قوى جديدة في المجتمع تواضعت وخجلت أمامها كل القوى الأخرى، هذه القوى الشبابية أصبحت أكثر إصرارا وأخذت طريقها إلى ميدان التحرير.

البعض اختار ارتداء قناع الثورة، والانجراف مع التيار الإصلاحي، ودعم الثوار الشباب، والانضمام إلى ثوار «الفيس بوك» و»التويتر»، وعلى حد تعبير المصريين «العيال اللي يتلموا بساعتين»، أما البعض الآخر فقد شعر أن الحركة سريعة جدا وتدفع إلى المجهول، متذكرا ثورة يوليو ومقولة «العين ما تعلاش على الحاجب»، وعاد بذاكرته إلى أيام الجلوس مع الأدباء كطه حسين في حلقات أذاعها تلفزيون مصر آنذاك، وما يجمع الطرفين هو الاتفاق على وجوب الاستماع إلى الشباب المقهور الذي لا يجد عملا أو أنه مهمش أو مفصول؛ لأنه كشف عن الفساد في دولة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية وبؤرة للثقافة في العالم العربي.

واليوم، يؤيد البعض فكرة تحول شباب الثورة إلى ائتلاف شبابي وجبهة لدعم الثورة تضم شباب الميدان؛ بالإضافة إلى 50 شخصية عامة بينهم البرادعي والبلتاجي من الإخوان المسلمين، وأيمن نور والكاتبة سكينة فؤاد وآخرون، أما البعض الآخر فإنه يفضل أن تكون القيادة للكبار من أهل العلم والمعرفة.

وبغض النظر عن الرأي السائد لا نستطيع أن نغفل خفة الدم المصرية المعروفة، وانطلاق النكت والطرائف، وأبرزها: «أن اتنين من القيادات المعروفة رايحين ميدان التحرير، فيقول أحدهم لو خطبت سيصفق لي نص مليون، ويقول الآخر أنا سيصفق لي اتنين مليون، فما كان من السائق إلا أن قال: «أنا لو دخلت بكم الحيطة سيصفق لي 80 مليون». وأخرى تقول إن متظاهرا يعلق على خروج المساجين قائلا: «هو احنا بنعمل ثورة والمساجين اللي بيتحرروا؟».

ولأول مرة في التاريخ أيضا يخرج الثوار بيافطات فكاهية مضحكة، فالمزج بين الجد والهزل لم يفسد للود قضية، والشعب المصري مسالم لا يميل إلى الشغب، ويعلم أنه بالثورة يسعى إلى مستقبل مجهول؛ لكنه وبكل بساطة لم يستطع تحمل «الجمود» أكثر من ثلاثين عاما.