كفى بالمرء إثماً!

نشر في 19-05-2011
آخر تحديث 19-05-2011 | 00:01
 د. ساجد العبدلي ينسب إلى الحسن بن علي- رضي الله عنه- أنه قال إن من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، والحق أني لا أدري إن كان هذا ما حاق بكثير من الناس من حولنا، فنظرة عجلى إلى حياة هؤلاء الناس تكشف لنا كم هي مضطربة ومرتبكة في الحقيقة، وذلك بانشغالهم فيما لا يعنيهم، أو فيما هو خارج دائرة تأثيرهم، أو ما هو بعيد تماما عن قدرتهم على إحداث أي تغيير، سواء أكان من قريب أم من بعيد.

ترى هؤلاء الناس وقد انشغلوا طوال الوقت في الخوض بهذه الأمور فأضاعوا جهدهم ووقتهم بلا طائل ولا ثمرة، منخدعين بإحساسهم بأنهم في دائرة الحدث والتأثير، في حين أنهم في الغالب ليسوا على ذلك بتاتا، وقصارى الأمر أنهم أضاعوا مسؤولياتهم الحقيقية، وما يجب عليهم أن يهتموا بأمره وينصرفوا نحوه.

ترى الواحد منهم مأخوذا طوال الوقت في الحديث والجدل حول الشأن السياسي، على سبيل المثال، وتراه في ذات الوقت مقصرا أشد التقصير في عمله، وغير ملتزم بواجباته الوظيفية من حضور وانصراف وأداء مهام وإنتاجية، أو تراه مهملا شؤون بيته وأهله وأولاده فلا يدري عن احتياجاتهم، ولا عن تربيتهم وتعليمهم ولا عن أي من أمورهم، وفي هذا تناقض كبير ولا شك، تناقض على المستوى الديني والأخلاقي وعلى مستوى المسؤولية الوطنية التي يدّعي هؤلاء حرصهم عليها!

وأرجو ألا يظن أحد أني أحاول صرف أحد عن الانخراط في الشأن السياسي، فلكل الحق بعمل ما يريد، خصوصا أن السياسة اليوم ما عادت تردّ يد لامس، حتى انخرط فيها من أصناف البشر من لا يتورعون عن التمرغ بالوحل عند الصباح وفي الظهيرة وقبل النوم، لذلك فلست، ولا غيري كائنا من كان، يملك الحق بمنع أحد من الانضمام إلى هذه الحفلة.

لكنني أحاول هنا تذكير نفسي أولا، وتذكيركم بأن «كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته»، وسنحاسب على هذا الأساس، وحساب الواحد منا سيتدرج وفقا لتدرج مسؤولياته قربا وبعدا من دائرة إمكاناته وقدراته، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول»، أي من هو مسؤول عن إعالتهم، ولهذا فلن يعذر المرء حين يأتي يوم الحساب، وقد كان أشد الناس حماسا وتفاعلا واندفاعا في الشأن السياسي أو غيره، ولكنه في ذات الوقت قد انصرف عن أداء مهام وظيفته التي تقاضى أجرا مقابلها، أو قصَّر في حقوق أهله وأولاده وبيته، حتى ضيَّعهم!

بل إن هذه الدعوة لا تنحصر عند الشأن السياسي، بل إنها تتجاوزه إلى ما هو أهم منه وأشد، فالنبي المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام، حين جاءه رجل يستأذنه في الجهاد- والذي هو ذروة سنام الإسلام- قال له: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، فقال: ففيهما فجاهد، وهذا يكشف لنا أن قاعدة ترتيب الأولويات والمسؤوليات تبقى ثابتة راسخة حتى في هذا الموضع العصيب.

يا سادتي: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، كما جاء في الحديث الشريف، «فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته». ولا يصح أن يضيِّع أحد منا رعيته ومسؤولياته المباشرة، بحجة انشغاله بمن سواهم ولا بأي ذريعة كانت.

back to top