هل يمكن للنقد الأدبي أن يواكب ما يستجد من إبداع؟ سؤال يظل يراوح مكانه. فالإبداع حالة تحرّك دائم، بينما يبقى النقد حبيس أدراج الأكاديمية والتنظير إلى أمد بعيد. ولعل ذلك ما يفسر غياب النقاد الأكاديميين عن متابعة مستجدات اللحظة من شعر ومسرح ورواية.
قد يكون لهؤلاء الأكاديميين أعذارهم المنطقية من قبيل مواصلة نهجهم العلمي بكتابة أبحاث للترقية، وانشغال في لجان عملية وظيفية بحتة، وكذلك مؤتمرات خارجية، إلا أن الملاحظة الغالبة التي تعوق متابعة الإنتاج المستجد هي أن للأبحاث الأكاديمية شروطها، ومواضعاتها المهنية، إذ يندر أن يقدم باحث أكاديمي دراسة في شاعر ليس له سوى عمل واحد، على اعتبار أن هكذا شعر يفتقد إلى النضوج واكتمال التجربة، وبالتالي يُضعف البحث برُمته ويقوّض مستنتجاته العلمية، فالطريق السهلة إذاً هي البحث عن المبدعين المكرّسين إعلامياً ورسمياً من قبل المؤسسات الثقافية، على الرغم من أن هؤلاء قد لا يكون في نتاجهم شيء يستحق الدراسة أو الوقوف عنده.ويأتي الإعلام مُعطى معرفياً جديداً يشكل اللحظة كما يُريد، فللكتابة الإعلامية شروطها، وكذلك للنصوص الإعلامية التي تطل عبر الصحافة المقروءة والمسموعة شروطها. لم يعد الجمهور مهيئاً لقراءة «المعلقات السبع»، أو ملاحم أبي زيد الهلالي. ويتشكل الإبداع بالقدر الذي يتغيّر فيه المزاج العام، كما أن الإطلالة الإعلامية باتت رافداً آخر يحرّك الاقتصاد، ويعيد طرح كثير من الأسئلة المتعلّقة بالمنفعة، والإعلان، ومتطلبات السوق، وقائمة الأكثر مبيعاً.وفي هذا السياق تأتي الرواية في مقدمة الأعمال التي تحدد بوصلة السوق، وتُثير لعاب الناشرين، فنجاح عمل واحد يعني أن يقرأه عشرات الآلاف في محطات مترو الأنفاق، ويحتضنه آخرون قبل لحظات النوم، وقد تتحوّل الرواية إلى عمل سينمائي، فيدر أرباحاً مضاعفة. ألم أقل إن السوق له شروطه، ومستلزماته.****- أن تكون مبدعاً يعني أن ترسل أصابعك إلى الجهات الخمس، دون انتظار لمياه الأمطار، فالأرض الجرداء تمسك بمخالب الريح.- أن تكون ناقداً يعني أن تفتش في دفاتر الريح عن غيمة عابرة، أو صوت إبداعي يحرّك السكون.- للشعر جناحا طائر، فانظر في أي الاتجاهات ترسل الكروم خمائلها.- ينكشف المسرح عن حيوات كثيرة، نفتش في خبايا اللحظة، هل يمكن أن نعبر ما نريده إلى ما لا نريد؟- تحكي الجدة لحفيداتها روايات الأمس، قبل أن تغمد الطيور جفونها. هكذا تقول الأسطورة في عرس بابل، وحكايات الأمازون.- لا تدع دوي الانفجار يصادر مسمعك، هي السينما كعادتها، تمسك بكل اللحظات الهاربة.- تترنح القدمان فتتكئ الفتاة على نسمة عابرة.- نستمع بآذان صاغية إلى قصة الولد الذي يبحث عن مبتغاه، يفتش عن الإبداع في ريشة فنان، أو حنجرة رجل صالح يرسل إلى المساء تراتيله.- نخشى أن نعود بخفي حنين، لا تمنح الكتابة للأصدقاء كل ما يريدون.- أن تكون ناقداً يعني أن تقرأ القصائد بصورة عكسية، أو تستنطق شخصيات تأبى أن تقول.
توابل - ثقافات
اللحظة الهاربة
19-12-2010