لا يوجد وصف لهذا الذي يجري في المنطقة العربية إلا أنه "جنون ما بعده جنون" حيث المشهد في لبنان تحتل واجهته مجموعة من الزعران، ومن يُرِدْ برهاناً فعليه أن يعود إلى صور جميل السيد وهو يُستقبَل في قاعة الشرف بمطار بيروت، الذي يحمل اسم رفيق الحريري، مع أن الاستقبال الذي يليق به بعد أن هدَّد رئيس الوزراء اللبناني بالقتل وأعلن العصيان المدني على الدولة هو الأصفاد و"الكلبجات" وإعادته مخفوراً إلى الزنزانة التي كان يقيم فيها قبل أن يَصدر قرار بإطلاق سراحه من المحكمة الدولية.

Ad

هنا على كلِّ عاقل أن يسأل ويتساءل، بحُسْن نيَّة طبعاً، عمَّن يقف وراء هذا "السيِّد" ووراء "السيِّد" الآخر الذي أنشأ له الإيرانيون دولة داخل الدولة اللبنانية اسمها "حزب الله" لم يعد هناك شك في أنها ذاهبة إلى آخر الشوط في تحويل لبنان الجميل إلى محمية إيرانية على شاطئ المتوسط تقابلها محمية أخرى في غزة التي تَحوَّل جهاد الذين باتوا يحكمونها من الصواريخ الكرتونية، التي كانت تطلق بالألوف على قرية "سديروت" الإسرائيلية دون أن تقتل إلا عجوزاً واحدة بالسكتة القلبية، إلى حرق المنتجعات السياحية، ومطاردة الفتيات اللواتي لا يلتزمن ارتداء اللباس الشرعي الذي حدد مواصفاته آية الله العظمى إسماعيل هنية!

هذا في لبنان، أما على سواحل الخليج العربي الغربية فإن هناك إصراراً غريباً على إقحام هذه المنطقة السمحة المتسامحة في أتون صراع طائفي لم تكن تعرفه، وهي ترفضه الآن، لأنها في الأساس لا تفرق بين عليٍّ كرّم الله وجهه وأبي بكر الصديق وعثمان وعمر رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً، ولأنها آخَتْ تاريخياً بين أهل السُّنَّة وبين التشيع الشريف لآل البيت، وهذا ما يجب الحرص عليه حرصَ الإنسان على بُؤبؤ عينه.

أما في العراق فحدِّث بلا حرج، حيث الدولة ماضية نحو الزوال، وحيث الذين جاءوا ليملأوا بلاد الرافدين عدلاً بعد أن ملأها غير المغفور له صدام حسين جوراً وظلماً وأغرق أهلها في الدماء حتى الذقون، يواصلون حروبهم المذهبية، وكلٌّ منهم يُصرُّ على النظر إلى الأمور من ثقب مصلحته الشخصية وثقب ولاءاته الخارجية، وبالطبع فإن ظلال راية إسماعيل الصفوي "تفرد" نفسها على بلاد الرافدين من أقصى الموصل وحتى أقصى البصرة.

هناك غليان في اليمن، لا يعلم إلا الله إلى أين سيؤدي، وما هي الخريطة الجيوسياسية التي ستسفر عنه، وهناك في السودان حالة لا تسرُّ الصديق، ولا تغيظ العدا، وهناك براكين في أكثر من بلد عربي، مَشْرقاً ومَغْرباً، كانت نائمة وبدأت تستيقظ، وهناك هذا الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، الذي إما أنه متآمر أو أنه لم يدرك بعد أن هذا الذي فعلته يداه في أفغانستان آخذٌ في التبلور في منطقة مصالحه الحيوية... إنه جنون في جنون!!