بوش وتشيني وكوندي... فعلوها!
في أعقاب عملية 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن درست واشنطن أبعاد العملية ومسبباتها المتمثلة في انتشار الحركات الجهادية الإرهابية التي انضمت إلى تنظيم القاعدة، وضعت العلاج، وقررت حزمة إجراءات ضمن استراتيجية جديدة أقرتها دوائر الحكم الأميركي، كان بدايتها انطلاق حروب مكافحة الإرهاب المعلنة في أفغانستان، وعدة حروب صغيرة خفية أخرى في الصومال واليمن وصحراء الجزائر وموريتانيا، وكللت بالحرب الكبيرة التي أدت إلى سقوط نظام صدام حسين في بغداد في عام 2003، وكانت ضمن الاستراتيجية الأميركية تلك أيضاً مشروع «ديمقراطية دول الشرق الأوسط» أو الشرق الأوسط الجديد، كما أسمته وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس (كوندي). دوائر البحث والدراسات السياسية الأميركية خلصت في توصياتها، التي رفعت إلى الإدارة الأميركية لصياغة الاستراتيجية الجديدة، إلى أن الأنظمة المتكلسة والمستبدة في الشرق الأوسط وتحديداً العالم العربي لا تمنح شعوبها، وبصفة خاصة الأجيال الشابة فيها، أي فرصة في التعبير عن نفسها أو المشاركة في صناعة القرار لتحسن أوضاعها، مما يدفع الشباب العرب إلى الأفكار المتطرفة والانتحارية بسبب فقدان الأمل في المستقبل، واشنطن تدارست الأمر، ورأت إدارة جورج بوش الابن ضرورة إحداث تغييرات في الأنظمة الحليفة والمناوئة لها في العالم العربي تحسن من أوضاعها، وتمهد لإصلاحات في المستقبل، ولذلك أطلقت مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط التي تحسست منها الأنظمة العربية وقاومتها والتفت عليها في قمة تونس العربية عبر ما سمي بمشروع الإصلاح العربي الديمقراطي الوقائي الذي لم يطبق منه شيء، بينما نظمت بعض الدول العربية انتخابات مسرحية نيابية ورئاسية وبلدية لذر الرماد في العيون وتخفيف الضغوط الأميركية عنها.نظام حسني مبارك السابق وبعض الأنظمة الخليجية وسورية وتونس كانت من أشد المقاومين لمشروع الإصلاح الديمقراطي الأميركي لإدارة بوش في المنطقة، واتحد الأضداد العرب في محاربته وإطلاق حملة ضده عناوينها الجمهوريون الجدد والمسيحيون المتصهينون ومحاولة إفشال مشروعه الديمقراطي في العراق بالتعاون مع طهران أو منفردين، التقت حملة العرب مع الحملة الداخلية للديمقراطيين الأميركيين ووسائل إعلامهم المتمكنة في أميركا وأوروبا ضد إدارة ومشروع بوش ضمن التنافس مع الجمهوريين على الانتخابات الرئاسية 2008، ولكن استمر مشروع «بوش-تشيني-كوندي»، وانتقل بعد أن يئس من الحكام إلى دعم مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والشبابية المستقلة ووسائل إعلام إلكترونية وإنشاء تلفزيون الحرة العربي الممول من الولايات المتحدة للترويج للديمقراطية والإصلاح، فردت مصر بسجن أيمن نور وإغلاق مركز ابن خلدون وسجن مؤسسه د. سعدالدين إبراهيم أيضاً، واعتكاف مبارك عن زيارة واشنطن عدة سنوات تعبيراً عن غضبه من الإدارة الأميركية، بينما جندت دمشق كل أدواتها في لبنان لمحاربة حركة 14 أذار الديمقراطية الاستقلالية، وتبعتهما غالبية الدول العربية في التنكيل وقمع الحركات الديمقراطية الإصلاحية، وأخذت تلوح للعالم بفزاعة القوى الأصولية الإسلامية التي ستنقض على الحكم إذا تحولت النظم الحاكمة العربية إلى النظام الانتخابي الحر وهي الفزاعة التي لم يعد الغرب يقبضها بجدية، بعد أن قامت الحركات الجهادية بتفجيرات نيويورك ومدريد ولندن في ظل وجود حلفائها المستبدين في الحكم.
تعنت مبارك وزين العابدين والقذافي وعلي صالح وغيرهم ومحاولة التفافهم على استحقاقات العصر ومطالب المجتمع الدولي، لم ينجهم من المصير المحتوم، و»ردح» العرب ضد جورج بوش واستراتيجية إدارته في الإصلاح والديمقراطية لم تغير شيئاً في النتائج التي بدأت تحققها بعد أن تركوا واشنطن، وتصوروا لو أن حسني مبارك قد استوعب ما كان يقوله الأميركيون له عن غليان شعبه وتوق شباب بلده إلى الحرية والديمقراطية، وفكر في نهاية مشرفة لحكمه منذ 2002؟... ألم تكن نهايته وأبنائه أفضل من سجن مزرعة طرة والحجز في مستشفى عسكري؟... وكذلك بعض الزعماء العرب الذين تراودهم الآن كوابيس شكل نهاياتهم، إنها دروس لمن يريد أن يتعلم ويعتبر، وتأكيد بأن كل ما يكتب عن الإدارة الأميركية الجمهورية السابقة من انتقادات هو تصفية حسابات بين متنافسين وليس تقييماً علمياً موضوعياً لتلك الإدارة... فـ»بوش وتشيني وكوندي» غيروا عالمنا العربي حتى بعد أن تركوا البيت الأبيض بسنوات!كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة