في رأس السعدون!
وجود النائب أحمد السعدون في قالب التكتل الشعبي هو وجود أملته الظروف السياسية في توقيت معين، بل لعلي أقول إن السعدون اضطر إليه اضطراراً، وهو وجود كان يدرك هو بنفسه أنه لن يخلو من المشاكل والمتاعب على صعيد علاقته بقاعدته الانتخابية.
كم أتمنى لو استطعت أن أسبر ما يجول في عقل النائب أحمد السعدون، هذا الشيخ المسن الغامض المجافي لوسائل الإعلام. وأمنيتي هذه ليست نابعة من رغبة عبثية للتلصص على عقل الرجل، وإنما هي رغبة لاستقراء بعض ملامح المستقبل السياسي لهذا البلد، فالسعدون ليس مجرد نائب والسلام، بل هو لاعب أساس و"توربين" مركزي، لا يمكن تجاوزه عند التعاطي مع ما يجري بحال من الأحوال، ولعل من آخر علامات هذا الأمر الذي يدركه الجميع ولا يحتاج إلى تدليل أصلاً، هو تحركاته الأخيرة والملفوفة بالتكتم الشديد حول موضوع التنمية!يدرك المتبصرون أن أحمد السعدون "قائد" التكتل الشعبي، هذا إن صحت تسميته حقاً بذلك، يختلف بنسيجه الفكري ومنطلقات تفكيره وخيوطه السياسية، عن نسيج ومنطلقات وخيوط بقية أعضاء التكتل الشعبي، حتى لو تظاهر وتظاهروا بغير ذلك. كما أن المتابع الحصيف يلاحظ دون عناء، أن له ولهم الكثير من المواقف المختلفة إلى حد التضاد أحياناً في قضايا مفصلية. قضايا من ذلك الطراز الذي لطالما والى لأجله التكتل الشعبي وعادى، بل ولطالما وصف من خالفوه فيها بأنهم بصامة وحكوميون، وجبناء!
للسعدون، على سبيل المثال، مواقف مختلفة جذرياً عن بقية مواقف التكتل الشعبي "المعلنة"، في مسألة القروض، وفي مسألة التنمية وفي مسألة الخصخصة، وأخيراً في مسألة مشكلة الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، حيث لم يظهر السعدون على خلفيتها مطلقاً، لا بالوجود الفعلي ولا حتى بالتصريح الشفهي، وهي القضية التي ساق النائب مسلم البراك ومن حوله كثيراً من الناس نحوها سوقاً، وحمَّلوهم عنوة ما قد لا يريدون. إذن فللسعدون أجواؤه التي يحلق فيها منفرداً، وإن حصل وتوافق ذلك مع الأجواء نفسها التي يحلق بها رفاقه في التكتل الشعبي فبها ونعمت، وإلا فالرجل فارد جناحيه منطلق نحو أهدافه لا يلتفت وراءه ولا يلوي على شيء.أنا مقتنع جدا بأن وجود السعدون في قالب التكتل الشعبي هو وجود أملته الظروف السياسية في توقيت معين، بل لعلي أقول إن السعدون اضطر إليه اضطراراً، وهو وجود كان يدرك هو بنفسه أنه لن يخلو من المشاكل والمتاعب على صعيد علاقته بقاعدته الانتخابية. لهذا، فهو مأخوذ دوماً بلعبة التوازنات ما بين وجوده في التكتل وما بين علاقته بهذه القاعدة الانتخابية التي أوصلته إلى قبة البرلمان والتي تختلف، لطبيعتها، مع ما يدندن عليه التكتل الشعبي في الإعلام من قضايا شعبوية في الغالب.هذا الخليط الغريب الكامن في عقل أحمد السعدون، هو الذي يجعلني أتمنى لو امتلكت قدرة سحرية على كشف أغواره ومعرفة محتوياته والتي أظنها تحفل بالكثير الكثير من المفاجآت، التي لا أشك في أنها ستكون سارة للبعض وغير سارة للبعض الآخر.