الغريب حقاً أن كل الناس كانت لها علاقة بالأزمة العابرة التي تعلقت بخدمات الـ «بلاك بيري» في المملكة العربية السعودية باستثناء مؤسسات المجمتع المدني التي أصبحت جميعها خارج نطاق التغطية منذ أن ظهرت الأخبار الأولى لاحتمال قطع الخدمة، وها قد عادت خدمة الـ «بلاك بيري» بينما أحبابنا مازالوا «مقطوعين»! قبل يومين ذكرت صحيفة عكاظ أن شركات الاتصالات مزودة خدمات «بلاك بيري» في السعودية تعمل على صياغة بيان سيحمل عنوان: «عائدون»، ولا يخفى على أحد أن هذا العنوان بالذات كان أيقونة القضية الفلسطينية ومطلع كل الأناشيد والأشعار والخطب المتعلقة بقضية العرب الأولى، وفي عصور اليأس العربي فقد شعار «عائدون» إيقاعه الحماسي، وأصبح ينتج إيقاعاً محبطاً يوحي بالانتظار الطويل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بعيداً عن أرضه السليبة، ولهذا قال الشاعر الكبير أحمد مطر في إحدى لافتاته: «عائدون... ولقد عاد الأسى للمرة الألف... فلا عدنا... ولا هم يحزنون!».

Ad

أظن أن شركات الاتصالات الثلاث اختارت هذا العنوان الحماسي للتعبير عن إصرارها على العودة السريعة، كما أنها وجدت فيه مساحة مريحة للتخلص من ورطة تحديد موعد زمني واضح للعودة، لقد أحرجت نائبة رئيس شركة «ريسيرش إن موشن» الكندية شركات الاتصالات العاملة في المملكة مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات نتيجة تأخر وصولها إلى الرياض بعد مماطلة استمرت شهرين، لتصل قبل نهاية مهلة الأشهر الثلاثة التي منحتها الهيئة لمزودي الخدمة بـ48 ساعة، لتعلن الاستعداد لتقديم «نسخة من البيانات للجهات الرسمية المختصة في المملكة عند الطلب أولاً بأول».

هذا العرض الذي جاءت السيدة فريني باوا نائبة رئيس الشركة الكندية المنتجة يوحي ببداية الانفراج، ولكنه لا يعني أبداً حل المشكلة، فالمطلوب ليس تقديم البيانات عند الطلب أولاً بأول، بل إيجاد خادم للبيانات «سيرفر» في المملكة، وبرغم إصرار كل طرف على موقفه فإن السيدة باوا قالت لمفاوضيها: إنها جاءت لتطرح الحلول تفادياً لقطع الخدمة!

وبالأمس أكد «مصدر تقني» لـ»عكاظ» نجاح التجارب التي أجريت على «السيرفر» والبرامج التي طلبت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية من الشركة الكندية توفيرها، واعتبر هذا المصدر التقني أن الأزمة التي حدثت طوال الأسبوع الماضي «سحابة صيف»، مؤكداً أن الشركة الكندية حريصة على ألا تخسر عملاءها في السعودية، بعد أسبوع من القلق والترقب لنتائج المفاوضات التي انتهت بخضوع الشركة المنتجة لشروط هيئة الاتصالات!

عموماً... «الصلح خير» و»الحي أبقى من الميت»... و»الله يديم المحبة مع إخواننا الكنديين... بالوايرلس!»، ولكن الغريب حقاً أن كل الناس كانت لهم علاقة بهذه الأزمة العابرة باستثناء مؤسسات المجتمع المدني، مثل جمعية حقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الصحافيين السعوديين وجمعية الإعلام والاتصال وجمعية حماية المستهلك، لم يقل أحد مثلاً إنه حريص على الجوانب الأمنية والأخلاقية، ولكنه في الوقت ذاته حريص على حرية الاتصال وسرية التراسل، لم يقل أحد مثلاً إنه يؤيد إجراءات هيئة الاتصالات ولا تهمه حرية الاتصالات ولا سرية المراسلات، ولكنه حريص على حقوق المشتركين الذين دفعوا أموالاً لشركات الاتصالات مقابل الحصول على هذه الخدمة... لقد أصبحوا جميعاً خارج نطاق التغطية منذ أن ظهرت الأخبار الأولى لاحتمال قطع الخدمة، وها قد عادت خدمة «البلاك بيري» بينما أحبابنا مازالوا «مقطوعين»!... كان بإمكانهم أن يمنحونا بصيص أمل لو قالوا كلمة واحدة فقط: «عائدون»!

* كاتب سعودي