فقط في منطقتنا العربية هناك من نظر إلى تسريبات «ويكيليكس» الأخيرة عن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بعيون مصابة بالحول السياسي، إما لأنها لم تر إلا جانباً واحداً من الصورة أو أنها لم تعكس إلا ما في صدور أصحابها من حقد على هذه القيادة الفلسطينية التي على رأسها «أبومازن»، والأسباب هنا كثيرة وهي خاصة بمعظمها ومن انحياز إلى الطرف الذي لايزال يدعي أنه «مقاومة» وهو في حقيقة الأمر بات يقرفص على قارعة الطريق لاستجداء الإسرائيليين أقل كثيراً عما قال إن المفاوض الفلسطيني قدمه «تبرعاً» لإسرائيل. في جريدة الغارديان البريطانية، التي أعطاها «ويكيليكس» بالاشتراك مع فضائية «الجزيرة»، كتب المعلق السياسي الرئيسي في هذه الصحيفة جوناثان فريد لاند عموداً على الصفحة الأولى تحت عنوان «الآن حصلت إسرائيل على الشريك»، تحدث فيه عن أن الفلسطينيين سينظرون إلى ما جرى تسريبه على أنه تنازلات فادحة من قبل الذين يفاوضون باسمهم، لكن عليهم أن يدركوا كم كشفت هذه المرونة عدم صحة الادعاءات الإسرائيلية القائلة إنهم لا يجدون الطرف الفلسطيني الذي من الممكن أن يتفاوضوا معه.
وقال جوناثان فريد لاند إنه من المؤكد أن المفاوضين الفلسطينيين سيتضررون من هذه التسريبات، وإن مناوئيهم سوف يستغلونها ضدهم، لكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أنه يجب النظر إلى وثائق «ويكيليكس» على أنها صرخة لإيقاظ الولايات المتحدة لتكون الوسيط النزيه، ولتمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل كي لا تبقى هذه المفاوضات مجرد ألاعيب «أكروباتية» بدون نهاية وبدون تحقيق أي نتيجة.ولعل ما يجب تذكره في هذا المجال أن «ويكيليكس» نفسه كان قد سرب وثيقة إسرائيلية تقول إن بنيامين نتنياهو يعتبر أن محمود عباس «أبومازن» هو أكبر وأخطر خصم فلسطيني واجهه الإسرائيليون، وأنه حاول إلحاق الأذى بصورته باستخدام عداء له، لكنه لم يستطع، وبالطبع فإن المقصود هنا هو أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية دأب على مخاطبة العالم باللغة التي يقبلها، وأنه يبدي مرونة تفاوضية محرجة للإسرائيليين أمام الرأي العام العالمي، لكنه لم يفرط في ثوابت قضية شعبه بأي شكل وبأي صورة.ولهذا وبسبب هذه المرونة التي حشرت بنيامين نتنياهو في الزاوية فقد تلاحقت كل هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقد اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي حسب تسريبات «ويكيليكس» إلى اعتبار «عباس» أخطر خصم فلسطيني يواجهه، وهذا قد يكون مؤشراً على أن هذا الرجل قد وضع على قائمة الشطب والاغتيال، فإسرائيل تريد خصماً يهدد كل يوم بإفنائها وإلقاء شعبها في البحر، بينما يستمتع برغد العيش في إحدى العواصم العربية البعيدة... وهذا هو الوجه الآخر الذي لم المتسرعين والمزايدين!
مقالات
الوجه الآخر!
26-01-2011