ربما كان المبرر الذي يتم استخدامه بدون مواربة لضرب المعارضة في محيطنا العربي هو الخوف من وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة.

Ad

يتكرر المشهد من الجزائر إلى فلسطين إلى سورية إلى تونس إلى مصر وغيرها. ولسنا هنا في وارد التأكيد أن الديمقراطية لا تتجزأ ولا يجب أن تتحدد نتائجها سلفاً. فالشعب هو من يحدد الفائز، وعلى جميع الأطراف مهما كان اتجاهها أن تتقبل النتائج أياً كانت.

صحيح أننا نعيش في معضلة، فبعض التيارات الإسلامية مثلاً تعلن أنها غير مؤمنة بالديمقراطية، لكنها تخوض الانتخابات لتغيير النظام وتحويله إلى نظام إسلامي، وأنهم حالما يصلون إلى سدة الحكم فإن واجبهم الشرعي يحتم عليهم تحويل الدولة إلى دولة إسلامية. ومع أن حالة الجزائر مثلاً لم يكن وارداً فيها الهيمنة الإسلامية بوجود مراكز قوى كمنصب الرئيس والجيش لتحييد الهيمنة التي كانت مقدرة لجبهة الإنقاذ، فإن الخوف من الجبهة دفع الجيش إلى الانقلاب على النظام البرلماني وفرض هيمنته الكاملة. ذلك الجيش الذي كان يفترض به حماية المجتمع من الإسلاميين عاث في المجتمع الجزائري فساداً وأهلك الحرث والنسل.

وبما أننا نتناول الموضوع في الإطار المصري وربما التونسي فإن تغيراً ملحوظاً قد طرأ على السلوك السياسي للإخوان المسلمين في كل من مصر وتونس إلى درجة الدخول في عمل مشترك مع القوى الأخرى. قد يقول قائل إن ذلك ليس إلا انتهازية معروفة عن الإخوان المسلمين، وإنهم ينتظرون الفرصة السانحة للاستيلاء على السلطة. وهي فرضية لا دليل عليها فالحالة تتغير وليست ثابتة.

ففي أحسن الأحوال واستناداً إلى العديد من استطلاعات الرأي فإن الإخوان لا يزيد عدد مؤيديهم على 20 في المئة من الشعب المصري. وهي نسبة قد يكون جزء كبير منهم يصوت للإخوان بسبب كراهيتهم للنظام التي اتضح الآن أنها كراهية كبيرة.

وعلى أية حال فإن تنظيم الإخوان المسلمين بمصر هو حزب قد تعرض للإنهاك والملاحقة عبر سنين طويلة، ربما بدءاً من 1954 حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، وكذلك فإن التنظيم يعاني انقسامات أجيال، وهي كما يبدو أنها ثلاثة أجيال تؤثر وتتقاطع وتختلف في أسلوب عملها ورؤيتها للتعددية والتعايش مع المجتمع الديمقراطي وقبول الآخر، ربما على طريق التحولات التي مرت بأوروبا في ما يسمى بالأحزاب الديمقراطية المسيحية.

الشاهد أنه في الحالة المصرية مثلاً فلا يبدو أن هناك حزباً مسيطراً على الرأي العام الجمعي. وأن الإخوان المسلمين كما يبدو سيكونون حزباً من الأحزاب الفاعلة ليس من مصلحته أن يتولى السلطة في الحالة الثورية السائدة في المجتمع، حيث ستوضع إدارته للحكم على المحك وستواجه حكومة الإخوان المسلمين بمصر إن تحقق ذلك وهو مستبعد، حراكاً شعبياً معارضاً في ما لو قررت الاستئثار بالسلطة. ويبدو أن الإخوان المسلمين قد تعلموا من تجاربهم السابقة بأنه لا عمل سياسياً إلّا من خلال الديمقراطية وبالتالي فإنهم ليسوا إلا أحد التنظيمات الفاعلة وليست المهيمنة. وحتى إن حصلوا على الأغلبية عن طريق الديمقراطية فما الضرر في ذلك؟

ولعل الأمر المؤسف هو أن يتم استخدام ورقة الإخوان المسلمين كفزاعة ضد الديمقراطية، ومن يقرأ ويسمع ما يقال في الأوساط الإعلامية والسياسية الغربية يدرك ذلك.

لسنا هنا في معرض الدفاع عن تنظيم الإخوان المسلمين فلهم من يدافع عنهم، وهم ليسوا إلا تنظيماً سياسياً له ما له وعليه ما عليه، وقد سمعت في الحقبة الأخيرة من قيادات «إخوانية» ما ينم عن تطور سياسي هام في قبول إطار الدولة المدنية التي لا تضع الدين كأساس للمفاضلة بل المواطنة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وهو تطور نوعي، إن صح، فإنه سيكون محوراً أساسياً لتطور المجتمعات العربية والإسلامية في طريق الديمقراطية. وعلى أية حال فإن أي تنظيم سواء أكان إخوانجياً أو غيره لن ينجح في إدارة الدولة إن ظن أنه له الحق في إدارتها منفرداً، ذلك هو عنوان المرحلة، وسيفشل كائناً من كان إن ظن أن له الحق في احتكار السلطة.