حرام... ألف حرام!
من الواضح أن بعض القادة العرب بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية في كيفية التعامل مع المظاهرات السلمية دون استخدام الهراوات والغازات والرصاص، فالعنف الذي يلجؤون إليه يولّد عنفاً مضاداً ويضرهم أكثر مما ينفعهم، حيث يرفع سقف المطالبات من مجرد المطالبة بالإصلاحات السياسية إلى إسقاط النظام بأكمله، ثلاثة أرباع مشاكلنا السياسية سببها أننا لا ندرك الفرق بين رجل الدين ورجل السياسة، وأن أحدهما لا يمكنه القيام بدور الآخر، فلا السياسي يصح له أن يفتي في الدين ولا رجل الدين يصح له أن يعمل في السياسة، لأن السياسة هي فن الممكن، فن الإنصات للآخر والحوار معه بغية البحث عن نقاط التقاء لتعزيزها ونقاط اختلاف لتقليصها، أي أن هناك مرونة في الأخذ والعطاء ينتج عنها توافق واتفاق في غالب الأحيان، أما الدين فهو قواعد وثوابت لا تقبل القسمة على اثنين ولا يكترث من يؤمن بها لرأي الآخرين، لذلك، يصعب عليه التواصل والتحاور مع الآخر، أتكلم هنا على وجه الخصوص عن رجال الدين المتشددين لا عن المعتدلين منهم، الذين أصبحوا للأسف خيار الناس لتمثيلهم في مجلس الأمة، لإجادتهم الحديث بصوت عال ونبرة حادة تصاحبهما نظرة غاضبة، استمدوا منها شعبيتهم وفق قاعدة «القوي الأمين»!
إذن... فنحن الذين نصنع منهم رجال سياسة من خلال اختيارهم لعضوية المجلس مرة بعد مرة، رغم إدراكنا التام أن ما يقومون به تحت قبة البرلمان وخارجه أبعد ما يكون عن عمل النائب في البرلمان، فرقابتهم للناس أكبر من رقابتهم للحكومة، والتقليص من الحريات والتدخل في شؤون الغير هما أولى أولوياتهم، وكانت ستكون نصف مصيبة لو اقتصر ضررهم على هذا الأمر، لكن المصيبة التامة هي في أن انتماء هؤلاء المتشددين إلى مذهبين مختلفين يجعلانهما غير قادرين على التعايش وفي صراع دائم، يصرح هذا فيرد ذاك، يذم أحدهما رموز الآخر فيرد عليه الآخر بالمثل، استفزاز هنا يقابله استفزاز هناك... وهلم جرا، تمضي الأيام وتمر ولا هم لأحدهم سوى إبراز ضلالة وغفالة وعمالة الآخر، وكأنما نحن أمام صراع ديكة، ما إن يوضع أحدهما في مواجهة الآخر حتى يتعاركا ليفترس أحدهما الآخر!وفي الأيام الأخيرة أثبت الطرفان قدرتهما العجيبة على إشعال نيران الطائفية عبر استيراد الفتن من الدول المجاورة، وما يقومان به أمر لا يصدق، فالندوات أو «الفزعات» الحماسية «الطفولية» التي يقيمانها هنا وهناك بنفس طائفي مقيت لن تزيدنا إلا تفرقاً وتشتتاً، ولن تغير من قناعات كل طرف ورؤيته للآخر، فالكل قد حسم أمره بناء على عاطفته الدينية المذهبية وما أمرته به، مرتدياً نظارته السوداء التي تحجب عنه رؤية الحقيقة كما هي، مفضلاً ما تضفيه على صورة خصمه من سواد!هؤلاء لا يصلحون لعالم السياسة وليس مكانهم البرلمان أو شاشات التلفزيون أو الصفحات الأولى من الصحف، وحرام أن يكونوا في الواجهة أو يستمع إليهم الناس باستمرار ليستمدوا منهم التطرف والتعصب وإقصاء الآخر... حرام ألف حرام!***الحكام العرب ضربوا أرقاماً قياسية في تكرار الأخطاء خلال الأحداث الأخيرة، نفس الحجج، نفس الحيل، نفس المبررات، نفس ردود الأفعال، حتى ليخيل للمرء أنهم يعيشون في كوكب آخر لا يدرون بما يجري هنا، بل لا أستبعد إن كان أحدهم لا يعلم بقيام ثورات في العالم العربي حتى الآن ويحسب أن الأمور تسير سيرتها الأولى، غيبوبة تامة غريبة مريبة! يفاجأ أحدهم بالمظاهرات تقوم في بلده فيرتبك ولا يعرف كيف يتصرف بهدوء وحكمة يمتص من خلالهما غضب الغاضبين وثورة الثائرين، أقول إنه يتفاجأ بالأمر وكأنما بينه وبين الواقع حجاب يمنعه من معرفة ما يشعر به شعبه تجاهه، فتراه يندفع إلى القمع والبطش بدل الحوار والتفاهم معهم، وذلك منذ اليوم الأول... دون أدنى مبرر! من الواضح أنهم بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية في كيفية التعامل مع المظاهرات السلمية دون استخدام الهراوات والغازات والرصاص، فالعنف الذي يلجؤون إليه يولّد عنفاً مضاداً ويضرهم أكثر مما ينفعهم، حيث يرفع سقف المطالبات من مجرد المطالبة بالإصلاحات السياسية إلى إسقاط النظام بأكمله، والحق أنني، بعد طول نظر بالأمر، وجدت أن سلوكهم وردود أفعالهم طبيعية للغاية، فقد عودتهم شعوبهم على كلمة «نعم» طوال فترة حكمهم، لذلك، من الصعب عليهم التعامل مع كلمة «لا» التي يسمعونها للمرة الأولى، فسامحوهم أيها القوم ولا تلوموهم على ضربكم... لأن «نعمكم» هي السبب!***تغريدة:قبل أن تفكر، أهو سنّي أم شيعي، تذكر فقط، أنه أخوك في الوطن، وأن دماء الشهداء، السنّة والشيعة، امتزجت بعضها ببعض حباً ودفاعاً عن هذا الوطن، الذي يحتضنكما ولا يعرف سوى أنكما كويتيان! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة