ما أعرفه عن أحد ملاك القنوات الفضائية الإسلامية التي أغلقتها "النايل سات" أخيرا أنه صاحب شركة للموسيقى ومتعهد أغانٍ خاصة بالأفراح المخملية، وهذا ليس عيباً، بل العيب في أنه أطلق قناة دينية متعصبة من أجل الربح المادي فقط، ثم دخل في لعبة التأزيم الطائفي إرضاء للمشاهدين المأزموين، واستقطابا لرسائلهم النصية المدفوعة الثمن، ولأن الحكاية مجرد (بيزنس) فإن الرجل لم يعترض أبدا على قرار الإغلاق، ولم يتهم "النايل سات" بمحاربة الإسلام، بل كان عملياً جداً، حيث حول القناة الفاضلة إلى قناة رقص ودندنة، و(عاشوا الحاضرين).

Ad

والعكس كذلك صحيح، فما يعرفه الجميع عن إحدى القنوات الإسلامية الشهيرة أنها كانت في يوم من الأيام قناة للراقصات اللواتي لا يتوقفن طوال ساعات البث عن هز الأرداف لإثارة حماسة المشاهدين واستحلاب رسائل جوالاتهم، لم يكنّ يرقصن الباليه بالطبع بقدر ما كنّ يحاولن بإخلاص الإجابة عن السؤال الفلوكلوري القديم: "من علمك درب الهجع؟"، ولكن الأرباح الزهيدة كانت أقل من تطلعات ملاكها فحولوها إلى قناة إسلامية، وهي اليوم تنشر الورع والتقوى طوال ساعات البث.

وبصورة عامة يمكننا القول إن ثلاثة أرباع القنوات الفضائية العربية يديرها تجار شنطة ليس لديهم أدنى علاقة بالإعلام، مجموعة من الأشخاص الذين دخلوا من الأبواب الخلفية لعالم التلفزيون، وبدؤوا ينكشون الأحقاد الطائفية أو الأمراض الاجتماعية كي يجمعوا أكبر قدر من المال، ويرقصوا على جراح الوطن للناس، ولو وجد هؤلاء من يدفع أكثر لما ترددوا في الانحراف 180 درجة عن توجهاتهم التي أزعجوا العالم بها... ترى ماذا يسمى انحراف المنحرف؟ اعتدالا أم (انطعاجا)؟

ومن المثير للحيرة حقا أنه لم يتم إغلاق قناة فضائية لدفاعها المستميت عن حقوق الإنسان في الوطن العربي، ولم يتم وقف بث قناة بسبب كشفها للفساد المستشري في الدول العربية، كل ما في الأمر أن الدمى الإعلامية حاولت أن تتجاوز الخط الأحمر وتزيد أرباحها على حساب راحة الرقيب الذي يمسك بخيوط اللعبة جيداً، فقام هذا بشد الخيط كي تعود الدمى إلى وضعها الطبيعي، وأهلا وسهلا بكم في مسرح العرائس العربي.

قبل عام خرجت قنوات السحر والشعوذة عن حدود اللعبة المرسومة سلفا فتدخل الرقيب لإعادة ترتيب الأوضاع، وقبل شهر حاولت القنوات الدينية أن تتمرد على قواعد هذه اللعبة فأعادها الرقيب إلى خانة الرقص وهز الوسط، يا للهول...!! هذا يعني أننا متى ما تخلصنا من هذا الرقيب الذي يجثم على صدورنا فسوف يتحكم بوعينا متعهدو الأفراح.

 

*كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة