كفن هارت: ثلاث قصائد


نشر في 26-08-2010
آخر تحديث 26-08-2010 | 00:00
 فوزي كريم كفِن هارت Kevin Hart (مواليد 1954) شاعر إنكليزي لأنه ولد ودرس في إنكلترا، وأسترالي لأنه ينتسب كصوت شعري إلى هذه القارة.

أقرأه فتستهويني هذه النبرة الهادئة، وكأنه مُنشغل في الحديث معي، أو مع أيّ من قرائه. ثم يستهويني هذا الانشغال بما يبدو أنه أمر يومي عابر، ولكنه ينطوي في السر على مدى ميتافيزيقي، لا تَخفى لمسته الدينية. ثم تستهويني هذه الخبرة الحسية المنشغلة بالرغبة والحب، ولكنها لا تبتعد كثيراً عن حاسة الفقدان والندب. كل هذه التدفقات المزدوجة تتم بمراوغة لا عنت فيها، ولا احتقان داعية. مجموعته الجديدة صدرت عن دار Bloodax بعنوان «مطر فتي» Young Rain. وزعها الشاعر، على صغرها، على خمسة أجزاء، ولم أتبين السبب وراء هذا التوزيع، فالقصائد بالتتابع تسعى لأن تشيّد حول القارئ بيتاً غامضا، مُشبعاً بالأسرار، ومليئا بالغرف غير المتوقعة، وبالمجازات، والسلالم التي لم تُكتشف. يشير أحد النقاد إلى أن ثمة كلمتين ذات معنى مجازي تتخلل القصائد: هما الظلمة، والماء، تشيان بفكرة فقدان الحب، وفقدان الحياة. في واحدة من قصائد «موسيقى ليلية» يحاول الشاعر أن يختبر طبيعة الظلام في الخارج، وفي داخلنا:

بعض الكلمات تُهمس في الظلام وحده:

لا في المساء حين يعود الناس إلى بيوتهم،

ويشغلهم الحديثُ عما جرى اليوم، وعن الشمس

تنزلق تحت تلك الباب، أو تكشط خدود العاملين،

لا عند منتصف الليل حين تنحدر الحمرة في الأفق،

أو يتمطى الخوفُ في حلمٍ آخر

بل حين تبدأ القطط الضالة تشمّ رائحةَ الأرض

وتعرف أن المطرَ الأسود وشيكٌ

وأن يقعن على السيارة التي لن تتحرك،

أو حين يبدو الصمتُ ضرباً من الغذاء

لأولئك السُعاةُ ليلاً وقد استعصى عليهم النوم

لأن بعض الكلمات لا تسقط إلا في الظلمة:

كلماتٌ دون لحم وعظمٍ، كلمات رقيقة، كلماتٌ مُستَنفدة،

كلمات مظلمة تتحول إلى صمت على اللسان.

وفي أخرى يحاول اختبار الكلمة، أية كلمة:

قلْ «غابةً» وسيصبح كلُّ شيء نظيفاً.

ستحيطك الكلمةُ من كل جانب، مثل الليل،

ولا تُمسَك. فمك مظلمٌ.

شظيةٌ تجد طريقها إلى أكثر مشاعرك حساسيةً.

والشجرة القديمة التي شطرتها الصاعقةُ لن تتحرك.

مطر السنة الفائتة تجمد صلباً داخل الجذع

والآن يشعّ جسدٌ عسليٌّ عبر اللحاء المتشقق.

فمك مظلمٌ. اذهب بعيداً في عمق ذاتك،

دع الهدوء يتكاثف هناك، حينها قلْ الكلمة.

قصيدة «فتاة نائمة»:

تسلّقتِ اليومّ شجرةَ جيراننا بالغةَ الطول:

«نعم، عالياً تسلّقتُ فما استطعتَ لمسَ قدميّ».

إنها حقيقةٌ: طيلة العصر وأنا أشعر بذلك الفاصل،

والآن أرتقي السلالمَ كي أقرأ لك

فأجدكِ مُغلقةً على النفس تماماً.

تقول أمك إنكم حين غفوتم

على صوت حكايةٍ، كانت وجوهكم متشابهة.

لي أنْ أُعوّل على وقتٍ كهذا

لسنتين. ما من حاجة للنظر خارجاً:

لأني أعرف عن درايةٍ الشجرةَ التي تسلقتُها سابقاً. 

back to top