يلح رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي الإيطالي أنطونيو كاسيزي على المدعي العام الكندي دانيال بلمار بضرورة الإسراع في إصدار القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بينما تشير معلومات خاصة لـ"الجريدة" من داخل أروقة المحكمة إلى أن بلمار يفضل استنفاد بعض الوقت الإضافي لأسباب عدة، أبرزها رغبته في إصدار قرار اتهامي واحد يشمل دفعةً واحدةً كلَ حلقات المتهمين بالجريمة بدءاً بالمنفذين على الأرض مروراً بالمخططين وصولاً إلى المقررين والمحرضين، وهو ما يستدعي منه استكمال بعض التحقيقات وجمع المزيد من الأدلة الثبوتية، خصوصاً أن بلمار يريد تقديم قرار اتهامي محكم يُضيّق فيه الخناق على مَن سيتهمهم ويحد قدرة دفاعهم على مواجهة أدلة الادعاء العام وإسقاطها.

Ad

وتبرر أوساط المدعي العام الدولي هذه السياسة بأن من شأنها توجيه ضربة قاسية إلى كل المعنيين بالجريمة دفعة واحدة على نحوٍ يحول دون تصفية محتملة لشهود أو ضالعين في الجريمة، ويضع المتهمين أمام أمر واقع يخفف قدرتهم على المناورة السياسية والأمنية، وخصوصاً على إقفال ساحة التحقيق اللبنانية أمام المحققين بالتهويل والتدابير الميدانية وعدم التعاون، وعلى شن المزيد من الحملات الإعلامية التي تستهدف تشويه صورة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية أمام الرأي العام اللبناني والدولي.

في المقابل، فإن رئيس المحكمة أنطونيو كاسيزي يعتبر أن بإمكان بلمار توجيه اتهامات متلاحقة من دون الحاجة إلى انتظار انتهاء المحكمة من بتِّ قراره الاتهامي الأول. وهو يحرص على توجيه رسائل طمأنة إلى بلمار في مقابل رسائل الحث على الإسراع في إصدار قراره الاتهامي. فقد جاء قرار كاسيزي برفض طلب المدير العام السابق للأمن العام اللواء المتقاعد جميل السيد تنحية القاضيين رالف رياشي وعفيف شمس الدين عن النظر في قضية مطالبته بالحصول على وثائق من التحقيق الدولي لاستخدامها في ملاحقة ما يعرف بشهود الزور أمام القضاء اللبناني، بمنزلة رسالة دعم قانونية لبلمار الذي وزع قبل أربع وعشرين ساعة من قرار كاسيزي بياناً تضمَّن ثماني نقاط يخلص فيها إلى أنه لا يمكن الحديث عن شهود زور وتحديد هوياتهم وملاحقتهم إلا بعد انتهاء أعمال المحكمة وصدور الأحكام النهائية، بحيث يتبين من خلالها دور كل من المعنيين بالجريمة.

ولاحظ الحقوقيون الذين يتابعون تطور عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أن كاسيزي قطع الطريق - في معرض شرح الحيثيات التي دفعته إلى اتخاذ قرار رفض طلب السيد تنحية القاضيين اللبنانيَّين رياشي وشمس الدين - على محاولات مستقبلية مماثلة قد يلجأ إليها مُدَّعون آخرون، معتبراً أن الأخذ بمقولة السيد، بأن الخصومة بينه وبين القضاة تشكلت من مجرد أن الحكومة اللبنانية التي رشحتهم لتولي مناصبهم تختلف معه في التوجهات السياسية، من شأنه أن يفتح المجال في المستقبل أمام ادعاءات مماثلة يغيّب الأخذ بها حضور القضاة اللبنانيين في هيئات المحكمة، مما يلغي صفتها الخاصة بأنها محكمة دولية– لبنانية مشتركة ويمكن أن يؤدي إلى تعطيل عملها.

ويتطلع الحقوقيون إلى ما سيكون عليه القرار النهائي للمحكمة بشأن تسليم المستندات الخاصة بشهود الزور إلى اللواء المتقاعد جميل السيد مع ترجيح أن تأخذ المحكمة برأي المدعي العام بلمار الرافض لذلك قبل انتهاء المحاكمات، أو قبل وضع الوثائق قيد النقاش العلني أمام المحكمة، مما يشكل رسالة قانونية ثانية إليه بتضامن المحكمة قانوناً معه والوقوف إلى جانبه، ورفض الدخول في تسويات جانبية على حساب القانون وتعاون أركان المحكمة وأقسامها.

وتقول أوساط كاسيزي إن مخاوف بلمار، وإن كانت في محلها، فإن بإمكان المحكمة ومجلس الأمن القيام بما عليهما من أجل معالجة ما يمكن أن يعوق الحركة المستقبلية لتحقيقات المدعي العام في حال تعرضت حركته وحركة فرقه للمضايقات وواجهت عدم تعاون في لبنان.

ويرى المتابعون لأعمال المحكمة الخاصة بلبنان في لايشتندام أن الأسبوعين المقبلين يعتبران حاسمين في مسار المحكمة، لا سيما أن بلمار يكون في 14 نوفمبر الجاري قد أنهى ثلاث سنوات في موقعه كرئيس للجنة التحقيق الدولية ومن ثم كمدّعٍ عام بعد تشكيل المحكمة.