غريب أمر هذه الدولة، فالولايات المتحدة التي تخوض حرباً مع الإرهاب، والتي توافق على أن التعقيدات التي تضعها إسرائيل في طريق عملية السلام في الشرق الأوسط هي سبب رئيسي لهذا الإرهاب، والتي أيضاً بقيت تعلن أنها ترفض الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ولا تعترف به، ها هي تبادر، بمجرد إحساسها بأن هناك توجهاً إلى طرح هذا الأمر (الاستيطان) على مجلس الأمن الدولي، إلى إعلان رفضها لهذا التوجه، وهناك احتمال أن تستخدم حق النقض (الفيتو) لإحباطه.
عندنا في بلاد الشرق، التي من الواضح أن الأميركيين لا يعرفون مزاجها رغم أن لهم فيها جيوشاً تنتشر للقتال من العراق حتى أفغانستان، نقول "احترنا فيك يا قرعا من وين إنْبوسك"، فالولايات المتحدة تعلن أنها مع إنهاء القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، لكنها لا تفعل في هذا الاتجاه شيئاً، وهي كانت ورّطت "أبو مازن" ووضعته فوق غصن الشجرة المرتفع عندما قالت إنه لا مفاوضات لا مباشرة ولا غير مباشرة ما لم يتم تجميد الاستيطان وقد تركت الرئيس الفلسطيني هناك فوق هذا الغصن المرتفع عندما أذْعنت لمواقف بنيامين نتنياهو وأعلنت أنه لا حول لها ولا قوة، وأنها غير قادرة على زحزحة رئيس الوزراء الإسرائيلي عن موقفه هذا قيد أُنْملة.والآن وعندما ينوي الفلسطينيون والعرب، بعد أن خذلتهم واشنطن بتراجعها المخزي أمام حكومة إسرائيلية بات قطاع واسع من الإسرائيليين ومن بينهم وزراء في هذه الحكومة يضيقون ذرعاً بتصرفاتها وسياساتها، الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي يبادر الرئيس باراك أوباما متناسياً كل ما قاله خلال حملته الانتخابية وما قاله في خطبته الشهيرة في جامعة القاهرة إلى إعلان معارضة إدارته لهذا الإجراء وعدم الموافقة عليه.إذن ما العمل...؟هل المطلوب أن يستسلم الفلسطينيون والعرب ويذعنون لإملاءات بنيامين نتنياهو واشتراطاته كما تذعن إدارة الرئيس أوباما، أم أن المطلوب، بعد كل هذه السياسات الأميركية التي لا يمكن وصفها إلا بأنها حمقاء، هو أن تفتح هذه المنطقة أبوابها لإيران، وأن تنتقل مراهناتها إلى احتمال أن ينجز الإيرانيون مشروعهم النووي العسكري في أقرب مهلة ممكنة...؟!إن المفترض أن تبادر الولايات المتحدة، التي تعرف أن حربها وحرب حلفائها مع الإرهاب ستطول، وأن الإرهاب سيتعاظم وسيتجذّر ما دامت القضية الفلسطينية بقيت من دون الحل الذي بات موضع إجماع من قبل العالم كله بما فيه أميركا نفسها، إلى تلقي كل هذا التأييد العالمي لإقامة دولة الفلسطينيين المستقلة المنشودة، وتوظيفه للضغط على هذه الحكومة الإسرائيلية المتمردة على هذا العالم، والرافضة للقرارات الدولية، وأول هذا التوظيف هو مساندة إصدار قرار عن مجلس الأمن بإدانة الاستيطان والدعوة إلى تجميده لتصبح هناك إمكانية لاستئناف العملية السلمية.أما أن تستسلم إدارة الرئيس أوباما لإملاءات بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان وأن تضطر صاغرة إلى اعتراض التوجه الفلسطيني والعربي والعالمي نحو مجلس الأمن والاحتكام إليه بشأن الاستيطان الإسرائيلي، فإن هذا يدل على أن هذه الدولة باتت تتصرف ليس على أنها الدولة العظمى في العالم بل على أنها دولة باهتة بدون مواقف ثابتة، وإذا استمرت على هذا النحو فإنها ستفقد قريباً جدّاً موقع القطب الأوحد لحساب عالم متعدد الأقطاب.
أخر كلام
غريبة هذه المواقف الأميركية!
31-12-2010