قيام بعض الإخوة والأخوات بالتنادي عبر شبكة الإنترنت، لإطلاق حملة بعنوان «لا للطائفية»، يدل على أن هناك استشعارا مجتمعيا لوجود مشكلة حقيقية على هذا الصعيد، وهذا التنادي، وإن حاول البعض التقليل من قيمته وشأنه، هو في قناعتي خطوة إيجابية، بل فعالة لو تم التعاطي معها والبناء عليها من مختلف الأطراف المتصلة بهذه المسألة، بشكل صحيح ومتواصل.

Ad

نعم، نحن نقر بأن المشكل الطائفي مشكل مشتبك جدا، وقد يبدو مستعصيا على الحلول المتبادرة إلى الأذهان، إلا أننا نؤمن أن الابتداء بالإقرار العلني والصريح بوجود هذا المشكل كمشكل حقيقي، هو أول طريق الحل، فأول طريق العلاج لكل مرض هو الاعتراف بوجوده ومن ثم السعي بحثا عن العلاج.

إن إنكار وجود المشكل، والتهوين من حجمه في كل مرة تندلع نيرانه لسبب من الأسباب، واتباع سبيل المعالجات التخديرية المؤقتة، لم تثمر سوى تعقيده أكثر فأكثر، وزيادة الاحتقان في النفوس، وشحن التحفز الطائفي إلى أعلى مستوياته، وإن تراءى لمن ينظر هدوء الأمر على السطح!

كل المخلصين على أرض هذا الوطن، ممن يهتمون لأمنه وأمانه حقا، مطالبون اليوم بأن يرفعوا شعار «لا للطائفية»، من خلال كل أقوالهم ومواقفهم وأفعالهم وردود أفعالهم، فهم بحاجة لاستشعار معناه بأهميته القصوى وبدلالاته ومقاصده، لا بمجرد كونه شعارا توجيهيا جاءت به حملة هنا أو فعالية هناك.

الطائفية خطر يحدق بوطننا وبنا جميعا، سنة وشيعة، وحين تشتعل نيرانها لا سمح الله، فلن تمر على بيوت السنة وتستثني بيوت الشيعة، أو تحرق الشيعة وتكون بردا وسلاما على السنة، بل ستأخذ كل من في طريقها، حتى الصالحين من الفئتين.

«لا للطائفية» يجب ألا يكون مجرد شعار، إنما منهج حياة لكل واحد منا على هذه الأرض، وألا يكون أمرا مرتهنا بما سيفعله الآخر من الطائفة الأخرى، فإن هو بادر أجابه وإلا فلا، بل يجب أن تكون المبادرة من كل واحد منا كل من موقعه، وأن يكون مدركا تمام الإدراك أنه بمبادرته لا يرجو من الآخر شيئا، بل لا يريد من أحد ثناء أو مدحا، إنما مبتغاه حماية نفسه وأهله وحفظ وطنه.

يجب ألا ننتظر من الحكومة أو البرلمان أن يفعلا شيئا، لأن من الواضح أن القوم غرقى في أمور أخرى بعيدة عن هذا، بل لطالما شاهدنا أطرافا منهم وقد لعبوا أدوارا في تأجيج وتعقيد المشكل الطائفي. يجب أن تكون المبادرة منا نحن الشعب، أفرادا ومجموعات، وجمعيات ونقابات، وغيرها، ولذلك يجب، ومن البداية، أن تضرب كل فئة على يد متطرفيها، وأن تمسك بلجام الهائجين منها، ممن عرفوا بإشعال الفتن الطائفية مرة بعد مرة.

هذه الحملة التي انطلقت على الإنترنت، هي بداية جيدة ولا شك، وسنحتاج أن ينضم إليها أكبر عدد ممكن من المشاركين، إظهارا لتأييدهم بإخلاص لهذا المسعى الطيب، ونحن بحاجة بعدها إلى قيام حملة إعلامية في مختلف الوسائل، ويا ليت لو رعتها جهة من جهات القطاع الخاص، كأحد البنوك أو الشركات الكبرى، وذلك من ضمن برامج المسؤولية المجتمعية التي تقوم بها، ومن ثم أسندت تنفيذها إلى واحدة من شركات الإعلام المجتمعي المحترفة.

وفي موازاة لهذا نحن بحاجة إلى قيام فرق جادة نشطة مختلفة، سياسية وقانونية واجتماعية وتربوية وغيرها، لتعمل على إعداد مواد مختلفة تبين من خلالها مواطن الطائفية في كل نواحي المجتمع، وتشير إلى سلبياتها ومخاطرها وتقترح سبل معالجتها، سواء تشريعيا أو قانونيا أو توعويا أو غيرها، والعمل بعدها على إيصال هذه المواد والمقترحات إلى الجهات المسؤولة، وإلى وسائل الإعلام لتداولها ونشرها بين الناس.

هذه كانت بعض المقترحات المبدئية التي جالت في خاطري لكيف يمكن أن يكون العمل لحماية وطننا من الطائفية التي توشك أن تحرقه وتحرقنا معه جميعا، ولعل هناك من لديه المزيد أو عنده رؤية أخرى لكيف يجب أن يكون الحل، ولا بأس في ذلك، لكن المهم أن نتحرك الآن وبجميع جهودنا قبل فوات الأوان.

***

خالص العزاء لآل الخرافي الكرام، لوفاة السيد ناصر الخرافي، أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.