"صحوة" جهات الرقابة الحكومية المتمثلة في وزارة التجارة والبلدية من سباتها العميق، والتي تناقلتها وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية ليست، في ظننا، إلا ردة فعل إعلامية مؤقتة على ما كشفته وسائل الإعلام أخيرا من فساد رهيب مستشرٍ في الأجهزة الحكومية، أما "البشارة" التي يزفها لنا صباح كل يوم بعض مسؤولي الجهات الرقابية الحكومية، والمتعلقة باكتشافهم "العبقري!" للمزيد من أطنان اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية المختلفة المغشوشة وغير الصالحة للاستهلاك البشري، والتي تباع في الجمعيات التعاونية والأسواق التجارية منذ أعوام على اعتبار أنها مواد جديدة، فما هي، أي "البشارة"، إلا، إدانة صارخة، كما ذكرنا في مقالات سابقة، لأجهزة الرقابة الحكومية ومسؤوليها أكثر من كونها تبرئة لهم.

Ad

فالضرر الفادح على صحة المستهلك قد وقع نتيجة لعدم قيامهم بواجباتهم ومسؤولياتهم الوظيفية، مع احترامنا الشديد وتقديرنا للجهود الفردية الطيبة التي يبذلها بعض موظفي ومسؤولي الأجهزة الحكومية، حيث إن هناك سقفا محددا لجهودهم لن تتجاوزه لأنها ليست جزءا من سياسة حكومية متكاملة وواضحة ومعلنة لمحاربة الفساد والغش التجاري ومحاسبة المفسدين.

 لهذا فإن حماس هؤلاء الموظفين الطيبين سيقل ثم يتلاشى مع الوقت، خصوصا أن تجار الفساد ومتنفذيه لن يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه هذه "الصحوة" المفاجئة والمؤقتة، بل سيتعاملون معها بما "تستحقه" من ردة فعل، خصوصاً أن لدى تجار الفساد ومروجيه  خبرة عريقة جدا في كيفية التعامل مع "الصحوات" الحكومية المفاجئة التي تأتي عادة كردة فعل مؤقت على ما تكشفه الصحافة من فساد رهيب مستشرٍ في أجهزتها الإدارية.

إذن فإنه لا يمكن الاعتماد على "الصحوة" المفاجئة لأجهزة الرقابة الحكومية التي عادة ما تتم زخرفتها إعلاميا، إذ ثبت أكثر من مرة عدم فعاليتها في كشف الفساد ومحاربة الغش التجاري وحماية المستهلك؛ لذا فإنه لا بد أن يكون للمستهلك صوت قوي صادح في وجه تجار الفساد، لاسيما أن ريحة الفساد وطعمه قد وصلا إلى ما نأكله من طعام وما نشربه من ماء وسوائل، فأين يا ترى صوت المستهلك؟ ومن يمثله؟   

من المؤسف القول إن هنالك غيابا كاملا لصوت المستهلك رغم أنينه وألمه المستمرين، وهو غياب راجع إلى عدم وجود جهة ما تمثله، فالحكومة لم تسمح حتى الآن بإنشاء جمعية أو منظمة أهلية لحماية المستهلك رغم المطالبات العديدة التي قدمت لها، ورغم الدور التوعوي المهم الذي ستتولاه هذه الجمعية أو المنظمة التي ستدافع عن حقوق المستهلكين، وهو ما سبق أن تطرقنا له غير مرة في هذه الزاوية.

لذا فإنها فرصة مناسبة الآن أمام الحكومة حتى تبين جديتها فعلا في عمل شيء ما ولو بسيط في سبيل التصدي للفساد، ومحاربة الغش التجاري الذي فاحت ريحته، ووصل إلى طعام الناس وشرابهم، وذلك بقيامها بالسماح بإنشاء جمعية أو منظمة حماية المستهلك التي تحتفظ بطلبات إشهارها لديها منذ وقت غير قصير... فهل من مجيب؟