مدخل إلى سينما الرائد توجو مزراحي
المخرج توجو مزراحي (1901 ـ 1986) أحد الرواد أصحاب الفضل الكبير على السينما المصرية، وقد عرف بأنه مكتشف النجوم. كيف لا؟ وهو مكتشف ليلى مراد، التي قدمها في أفلام متتالية، سطعت من خلالها كفنانة استثنائية ومطربة وممثلة، فضلاً عن اكتشافه الثنائي الكوميدي المميز فوزي وإحسان الجزايرلي اللذين قدمهما في أفلام فكاهية جذابة (أطلق عليهما المعلم بحبح وزوجته أم أحمد)، كذلك جسّد شخصية «شالوم» في أفلام حملت الإسم نفسه، وقد وصف أنه المقابل المصري لشارلي شابلن... كذلك قدّم مزراحي علي الكسار في فيلمي «مائة ألف جنيه» و{خفير الدرك». أثرى هذا الفنان الكوميدي القدير السينما المصرية بطابعه الخاص وتلقائيته الآسرة... فهو سينمائي بكل معنى الكلمة، دؤوب عاشق لفنه حريص على الوصول فيه إلى أعلى مكانة. إذ بلغ الإتقان في أعلى درجاته في فيلم «سلامة» الأخاذ، من بطولة أم كلثوم، ولعله في صدارة أفلامها، إذ كانت مقنعة فيه كممثلة فضلاً عن الأغاني الرائعة التي قدمتها فيه وتظل من أعمالها الخالدة. شاركها البطولة الممثل القدير يحيى شاهين وكوكبة أدارها مزراحي بحنكة ورهافة فنية ملحوظة.
وُلد مزراحي في الإسكندرية عام 1901، نال دبلوم التجارة ثم سافر إلى إيطاليا لاستكمال دراسته، وهناك عشق السينما فدرس الإخراج وصناعة السينما وعاد بعد سبع سنوات إلى الإسكندرية مدينته أو معشوقته الأولى.أسس في الإسكندرية استوديو خصصه للسينما وشركة «الأفلام المصرية»، وعام 1930 قدم «الهاوية» أول فيلم من إخراجه، وعرض في الإسكندرية ثم في القاهرة، ثم أطلق عام 1931 فيلم «الكوكايين». عرف مزراحي بأنه سينمائي شامل، إلى جانب إخراج الأفلام كان يضطلع بمهام الكتابة والإنتاج والمونتاج وتصميم الديكور، وشارك المخرج الكبير أحمد بدرخان في إنشاء أول نقابة للسينمائيين في مصر.بعد حرب فلسطين وإعلان كيان إسرائيل (1948) سافر إلى إيطاليا وأمضى بقية حياته هناك. نشأ في مجتمع لا يشعر أبناؤه بأي تفرقة بسبب الدين، وكانت مصر، لا سيما الإسكندرية، تحتضن الأصول والأديان كافة، وفي هذا المناخ تفتحت المواهب ولم يلتفت أحد إلى ما يعنيه كون داود حسني أو ليلى مراد أو توجو مزراحي من اليهود، أو كون مصطفى النحاس مسلماً ورفيقه مكرم عبيد مسيحياً، وكان الأخير يرى «أننا جميعاً ننتمي إلى الإسلام كحضارة».جسّد مزراحي الشخصية اليهودية في أفلامه، من بينها: «شالوم الترجمان»، «شالوم الرجل الشيطان»، «شالوم الرياضي»... وهي من بطولته وباسمه في سابقة أولى آنذاك. وقد ظهرت هذه الشخصية بصورة طبيعية، كجزء من الواقع المصري ونسيجه... لا تعارض في سينما مزراحي بين تقديمه لليهودي في السينما بهذه الصورة وبين تصوير المجتمع الشرقي المسلم بعناية ودراية في أفلام له مثل «سلامة»، وفي الحالتين كان مزراحي يقدم إبداعه بصدق وإتقان فني.