إن نظرة متأنية وفاحصة لمسيرة «معرض الكويت للكتاب»، الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، حيث انطلقت دورته الأولى في شهر نوفمبر عام 1975، وأنهى قبل أيام دورته الخامسة والثلاثين، وبعيداً عن تدخلات وانتهاكات الرقابة الممجوجة والمتكررة في كل عام، يتضح من خلالها أن المراقب يرى تبدلاً واضحاً ليس في زيادة عدد دور النشر المشاركة، ولا في قفزة أعداد العناوين الجديدة، ولكن هناك مظاهر أخرى، أكثر أهمية، يجب الإشارة إليها والوقوف عندها، ونذكر منها:

Ad

- إن تزعزع وانكفاء مسيرة الحركات والأحزاب الطليعية العربية، بمختلف تياراتها، وبشعاراتها الجماهيرية العريضة والمؤثرة، صاحبته انتكاسة كبيرة في شعبيتها وحضورها الجماهيري، مما أدى إلى انسحاب كتّابها وكتبها من الواجهة. حتى أن المراقب يلمح، في السنوات الأخيرة، وجودها الخجل في معارض الكتب العربية، بعد أن كانت مسيطرة على حركة الفكر والأدب العربيين.

- تغيّر طبيعة المزاج العام للقارئ العربي بشكل عام والقارئ الكويتي بشكل خاص، تبعاً لاجتياح اطروحات الفكر الديني للحضور الاجتماعي، ترتبت عليه زيادة كبيرة وملحوظة في عدد دور النشر ذات التوجه الإسلامي، التي اتخذت من الكتاب الديني، التراثي والحديث، مجالاً خصباً لنشاطها، مما انعكس على وجود كبير ومؤثر للكتاب الديني على حساب الكتاب الآخر، أياً كان هذا الآخر.

- إن استرجاعاً مدروساً لطبيعة الفئات الأكثر وجوداً في «معرض الكويت للكتاب» في دوراته الأولى، يظهر خيطاً واضحاً يربط بينها، سواء من حيث انتماءاتها الحزبية الطليعية، أو من حيث اشتغالها بمؤسسات العمل الثقافي، أو أنها تنتمي إلى الفئات الكويتية المثقفة، التي تتخذ من القراءة والمثاقفة ديدناً يومياً موازياً لحياتها المعيشية.

- عطفاً على النقطة السابقة، فإن الشريحة العمرية الأكثر وجوداً واقتناءً للكتب من بين الشرائح الزائرة للمعرض، ولنقل في دوراته العشر الأولى، هي شريحة عمرية تقع بين منتصف العشرينيات والخمسينيات. وبما يوحي بتشكل الوعي والذائقة القرائية لديها.

- عدد دور النشر الكويتية المشاركة في المعارض الأولى كان محدوداًً ومندغماً في المكتبات الحاضرة على الساحة الكويتية، خلافاً لما هو عليه الحال في المعارض الأخيرة، حيث حظيت دور النشر الكويتية بحضور ملموس.

- الفئة العمرية الكويتية الأكثر وجوداً وتفاعلاً في المعارض الخمسة الأخيرة، هي فئات الناشئة والشباب، ما بين الخامسة عشرة والعشرين، وبما يدلل على تبلور جيل كويتي شاب، يرتبط بعالم القراءة، ويحرص على متابعة الكتّاب والكتب.

- بدا واضحاً، من خلال حفلات التواقيع المصاحبة للمعرض، وجود الكاتب الكويتي والقاص والروائي والشاعر والمسرحي، وخاصة الكتّاب الشباب، بهمومهم المحلية، وبما يُبشر بجيل من الكتّاب الكويتيين الذين نهلوا من مشارب وثقافات تختلف عن تلك التي تربى عليها الكتّاب الذين سبقوهم.

هذه ملاحظات عابرة حول «معرض الكويت للكتاب»، الذي يخطو نحو العقد الرابع من عمره، مما يستلزم وقوفاً جاداً لدراسة حالاته، وانعكاس ذلك على الحالة الثقافية في الكويت.