هل يتفاعل العرب... وعرب الخليج خصوصاً... مع مستجدات عالمهم؟!


نشر في 22-10-2010
آخر تحديث 22-10-2010 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري الدنيا تتغير... والعالم يتطور... و»دار ابن لقمان» لم تعد على حالها فثمة أسلوب جديد يتبلور في عالمنا لتحقيق الوحدات المرجوة من جانب الشعوب التي تريد الوحدة. (وفي الأصل «دار ابن لقمان على حالها» مطلع لأبيات شعرية كتبها شاعر مصري عربي محذراً أحد قادة الحملات الصليبية على مصر الذي أسر في»دار ابن لقمان»، وبعد إطلاق سراحه راودته نفسه بإعادة الكرة والحملة، فقالها شاعرنا محذراً).

إن «ثوابت» التوحيد مازالت قائمة في المناطق التي هي بحاجة إليها في عصر التكتلات الضخمة التي لا مجال فيها للأقزام... ولكن أسلوب تحقيق الوحدة طرأ عليه تغير نوعي لابد أن يدركه العرب- كطلاب وحدة– ويمتلكوه. وذلك ما بدأت بانتهاجه الدول الأعضاء بمجلس التعاون لدول الخليج العربية.

لن يأتي مجدداً بسمارك البطل التاريخي للوحدة الألمانية، بأسلوب الحديد والنار، ولن يأتي في أثره غاريبالدي الذي بدأ بتوحيد إيطاليا... كلا ولن يعود ماوتسي تونغ موحداً للصين الكبرى بالمسيرة الطويلة، ولن يعود عبدالناصر إلى قيادة العرب نحو وحدة أخرى... (وعلى العرب الذين يريدون الوحدة أن يتعلموا من عالمهم أسلوبه الجديد الفعّال في تحقيقها).

صوَّت الإيرلنديون، أخيراً، على قبولهم الدستور الجديد (وثيقة لشبونة) للاتحاد الأوروبي، وفي الشرق البعيد أعلن رئيس الصين في الذكرى الستين لتوحيدها أن بلاده ستواصل سياسة «التقارب السلمي» مع تايوان، وقبل زمن قصير احتفل الألمان، رسمياً، بعودة الوحدة «الاختيارية» بين شطري أمتهم في الشرق والغرب، ومازالت كوريا الجنوبية، بثرائها الاقتصادي وتقدمها التكنولوجي، تراهن على قبول توأمها «الشـيوعي» الفقير والجائع، كوريا الشمالية، لاتحاد أو وحدة... فالأمة «الحيـة» لا تملك تقطيع «نسخها الحي» ورميه بعيداً إذا أرادت أن «تحيا».

وهذه الظواهر ليست بعيدة تماماً عن عالمنا العربي والإسلامي، وإن كانت الذهنية السائدة أكثر ميلاً، ولاتزال، للنهج البسماركي الذي تجاوزه الزمن، كالخطأ التاريخي الفادح الذي اقترفه صدام حسين بحق الكويت قبل عقدين من الزمن.

بخلاف ذلك استطاع القائد العربي الموحّد، زايد بن سلطان آل نهيان، إقامة الوحدة التي نسميها «وحدة الاختيار الحر» بين الإمارات السبع في ساحل الإمارات... ومازال نهجه قائماً على يد أبنائه.

وكما أشرنا في مقالة قبل سنوات (أوروبا الموحدة، فعل العقل في التاريخ!) فهنا عقل مسلم متحضر منفتح على ليبرالية العصر وعقلانيته استطاع أن يصنع معجزة بحجم ماليزيا الجديدة وما تمثله من أبعاد غير مسبوقة.

وإذا كانت التجربة «الاتحادية» الأوروبية الجديدة تثير أشجاناً على امتداد العالم العربي، حيث استطاعت الأنظمة الأوروبية، في سبع وعشرين دولة، حتى الآن، بين ملكية وجمهورية، محافظة وثورية، أن تصنع أوروبا موحدة، فإن التجربة الماليزية الجامعة بين تراث السلطنات الإسلامية ومعطيات النظام البرلماني الليبرالي الاتحادي في الفكر السياسي المعاصر يجب أن تثير أشجاناً أعمق وأكبر على صعيد مجلس التعاون الخليجي بالذات، الذي يتحرك في الواقع إلى الأمام، ولكن ببطء لا يتناسب مع حجم المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك تطلعات شعوبه وإرادتها في التقارب والتماسك وتبادل المصالح المشتركة، كما نبه إلى ذلك ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، في خطاب افتتاحه للمجلس الوطني البحريني في دور انعقاده الجديد.

وقد حاول عرب الخليج، في دولهم الصغيرة المطلة على البحر تحقيق «الوحدة التساعية» بينهم، ولكن ذلك لم يتحقق، إلى أن تحقق التوافق السعودي-العماني على إقامة «مجلس التعاون لدول الخليج العربية»- مثلما أصبح التوافق الفرنسي- الألماني رافعة للاتحاد الأوروبي- فانضمت تلك الدول الخليجية إلى هذا الكيان شـبه الاتحادي الذي وُجد ليبقى. ويعتبر ما حققه مجلس التعاون حيوياً لو كانت الظروف طبيعية، ويكفي أن نشير إلى تأسيس الرمز العلمي الجامع بين دوله وشبابه وهو جامعة الخليج العربي بمقرها في مملكة البحرين. فهذه الجامعة الخليجية المشتركة تنهي عقدها الثالث بتطورات نوعية جديرة بالدعم والصيانة. واليوم تواجه القمة الخليجية التي ستعقد في الكويت في ديسمبر المقبل استحقاق المتغيرات الاستراتيجية في المنطقة مُتمثلةً في التالي، وليس من المبالغة القول إنها ستكون «تاريخية» وإن أصبح هذا التعبير من الكليشيهات المستهلكة في الخطاب الإعلامي العربي:

1) اقتراب الانسحاب الأميركي من العراق... و»الفراغ» الذي سيحدث فيه بعد ذلك. وبطبيعة الحال فالقادرون والمستعدون هم الذين سيملؤونه!

2) وصول تركيا بسياستها واستراتيجيتها الجديدة إلى العالم العربي وإلى منطقـة الخليج، فأي دور لتركيا فيه؟ علماً أن إيران مثلاً، بين مؤشرات أخرى، اقترحت على تركيا إقامة مدينة صناعية مشتركة بينهما.

3) عودة روسيا إلى سياسة المجابهة مع الغرب، واعتمادها هذه المرة على ورقة الطاقة والغاز الطبيعي الذي تملك منه الكثير. فماذا سيكون دورها المنتظر في الخليج؟

4) التطورات الإيرانية المتوقعة: سلماً أو حرباً، كيف «ستتفاهم» إيران مع القوى الكبرى، وكيف سيكون التصرف الإسرائيلي حيالها، علماً أن مؤشرات كثيرة تدل على أن إيران ستنهج نهج المشاركة في استقرار المنطقة وتنميتها، إن اتجهت المواقف الإقليمية والدولية المختلفة هذه الوجهة، ولابد من التمييز بين الخطاب العلني والمواقف الحقيقية في التعاطي الدبلوماسي.

5) الدور العربي الذي طال انتظاره... وهل سيكون بمستوى هذه المستجدات؟ وفي أقل تقدير، فإن مجلس التعاون الخليجي مطالب بأن يقوي تنسيقه وتقاربه ويصل إلى المستوى الاتحادي الفعّال، إلا أن ذلك سيتوقف على رأي المملكة العربية السعودية، أكبر أعضائه وأقواها، ومدى تقييمها لهذه المتغيرات.

وأياً كان الأمر، فإن قمة «الكويت» الخليجية في ديسمبر سيكون أمامها هذا الملف المستجد الحيوي الذي لابد من مقاربته بعد وقوع عدة حروب مكلفة في المنطقة لا يحتملها جيل واحد. هذا فضلاً عن مقترح مشروع الوحدة النقدية، بين دوله الأربع الموافقة عليها، وذلك من منطلق أن أي تقارب تستطيعه بعض دول المجلس فإنه بإمكانها السير فيه، أملاً في أن تلحق البقية متى اقتنعت بإرادتها الحرة. وذلك ما هو متحقق، أو هذا ما نأمله، في مشروع السكك الحديدية من الكويت إلى عمان، وصولاً إلى اليمن.

*مفكر من البحرين 

back to top