توشك مدة السبعمئة يوم على الانتهاء... في 22 يناير 2009، قام الرئيس أوباما، في يومه الثاني في سدة الرئاسة، بتوقيع أوامر بإغلاق معتقل خليج غوانتنامو وإعلان رئيس الأغلبية السابقة في مجلس الشيوخ، القائد جورج ميتشل، كمبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، وقد حققت الخطوتان نفس مستوى النجاح تقريباً.

Ad

وفي مايو 2010، شرح السيناتور ميتشل أنه لم يتأثر بعام التوترات والإخفاقات الذي شهده، وفي هذا الإطار، أخبر أحد المراسلين: "لا يمكنك القبول بأول رفض تواجهه. لقد واجهتُ 700 يوم من الرفض المتواصل في إيرلندا الشمالية، مقابل موافقة واحدة". لكن وفقاً لحساباتي الخاصة، ستنتهي مدة السبعمئة يوم في عيد الميلاد المقبل، وربما سيعترف ميتشل حينها بضرورة إحداث تغيير معين.

حتى أن المراسلين قد تعبوا منذ فترة طويلة من المقارنة التي يقيمها ميتشل بين إيرلندا الشمالية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إذ لا وجود لأي وجه شبه بين الحالتين، لا شك أن الوضعين يضمان أحزاباً ووسطاء وقواعد تفاوض محددة مثل عدم الكذب، والالتزام بالوعود، ومنع الدخلاء من تخريب كل شيء، لكن في العمق، يختلف الوضعان تماماً، بحلول منتصف التسعينيات، كان قادة الجيش الجمهوري الإيرلندي والاتحاديون مستعدين لعقد اتفاق، لكن كان لابد من وسيطٍ ما للجمع بين هؤلاء الفرقاء الذين يتعاملون كالغرباء والأعداء. في المقابل، يعرف المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون بعضهم جيداً، وقد تقابلوا مرات كثيرة منذ انطلاق محادثات أوسلو قبل 20 عاماً. هم يلبّون الدعوات المتبادلة لحضور الأعراس العائلية وأعياد الميلاد والذكرى السنوية لمختلف المناسبات، ويمكن أن يلحظ أي أميركي يقابلهم التعامل السهل في ما بينهم. هم لا يحتاجون إلينا للتقارب لأن المشكلة لا تتعلق بإطلاق المحادثات، بل باختلاف وجهات نظرهم بشأن طريقة حلّ الخلاف، وأكثر ما يمكن أن يقدّمه أحد الطرفين هو أقلّ مما يمكن أن يتقبّله الطرف الآخر.  

من الدروس التي كان يجب أن يتعلمها ميتشل حقيقة أن الشروط المسبقة تسمم أجواء المفاوضات في حال بدأ الطرفان بالتفاوض مع إبداء كامل استعدادهما لاستئنافها مجدداً. حتى أنها قد تمنع انطلاق المفاوضات أصلا، ومع ذلك، أول ما فعله ميتشل في الشرق الأوسط كان فرض شرط مسبق يقضي بتجميد جميع عمليات بناء المستوطنات الإسرائيلية، في القدس وفي الضفة الغربية. لم يسبق أن طُرح شرط مسبق مماثل، لا من مصر ولا من الأردن، ولا حتى من الفلسطينيين أنفسهم، وقد كان واضحاً أن نتنياهو سيرفضه على الأرجح. وهذا ما حصل فعلاً، غير أن طرح ذلك الشرط أعاق وصول عباس وفريقه إلى طاولة المفاوضات: فكيف يمكن أن يسمحوا بأن يبدو ميتشل فلسطيني الانتماء أكثر من الفلسطينيين أنفسهم؟ وكيف يمكن أن يتنازلوا عن مطلب إيقاف البناء بينما يبدو الأميركيون مصرّين عليه؟   

مع اقتراب حلول اليوم رقم 700 من السنة الرئاسية الثانية، من العدل أن نطلب من الرئيس إعادة النظر بهذه المقاربة الفاشلة. في هذا الإطار، تتعدد التقارير الصحفية التي تؤكد اليوم أن البيت الأبيض قد تخلّى أخيراً عن مقاربة "التجميد أولاً". لقد اعترفت الإدارة الأميركية بعدم قدرتها على ضمان تجميد دائم للنشاطات الاستيطانية، وبأن أي تجميد موقت (تم التداول بمدة 90 يوماً، وهو رقم عشوائي تماماً) لن ينتج أي تقدم فعلي في جميع الأحوال. ما العمل الآن إذن؟ لا فكرة لديهم على ما يبدو، لقد تصدعت العلاقات الأميركية مع القدس، وقد تُرك عباس في موقف صعب جداً. حان الوقت لتجربة مقاربة جديدة!

هل من حلّ أفضل من اللجوء إلى وجه جديد لإطلاق مرحلة جديدة؟ في محاولة للتوصل إلى اختراق معين في وضع الشرق الأوسط، لا يستطيع الرئيس، في نهاية المطاف، طرد نفسه أو نائب الرئيس بايدن، ويبدو أنه لم يتبقَّ له إلا هيلاري كلينتون طوال الـ1461 يوماً من عهده الرئاسي. لكنّ ميتشل الذي يبلغ 77 عاماً قد يتم الاستغناء عن خدماته وقد يتقاعد، أو ربما يُعاد توجيهه لمتابعة المهمة. ربما يستطيع أن يجرّب حظه في حلّ قضية قبرص في المرة المقبلة. صحيح أنهم واجهوا 17087 يوماً من الرفض هناك منذ إرسال قوات الأمم المتحدة في عام 1964، لكنّ أحداً لا يحتسب عدد تلك الأيام!

* إليوت أبرامز | Elliott Abrams ، أحد كبار المسؤولين في مجال دراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، كان نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن.