البراعم الخضراء للاقتصاد الأخضر

نشر في 22-02-2011
آخر تحديث 22-02-2011 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت في غضون عامين فقط، تحولت فكرة «الاقتصاد الأخضر»، بما تشتمل عليه من أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، تحولت من كونها فكرة مثيرة للاهتمام إلى واحدة من بين أكثر القضايا أهمية في مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للتنمية المستدامة، أو مؤتمر «ريو+20». قد يتساءل العديد من الناس عما إذا كان الاقتصاد الأخضر مجرد لغة اصطلاحية مُرضية، أو أنه يشكل مساراً جديداً نحو القرن الحادي والعشرين المنخفض الكربون، والذي يتسم بالكفاءة في استخدام الموارد. وهل يُعَد الاقتصاد الأخضر بمنزلة الابتعاد عن نماذج التنمية التي سادت في الماضي كما يزعم أنصاره، أم أنه مجرد حالة أخرى تتغير فيها الواجهات لا أكثر؟

ولعلنا نستطيع العثور على الإجابة في بعض التحولات غير العادية التي تجري في قطاعي الكهرباء والطاقة في أنحاء العالم المختلفة، فإن العديد من الناس يسخرون على سبيل المثال من فكرة مفادها أن الطاقة الشمسية قد تشكل أي شيء أكثر من مجرد سوق للمتحمسين أو فيل أبيض باهظ التكاليف، ففي عام 2002، أشارت تقديرات أحد صناديق الأسهم الخاصة إلى أن التجهيزات السنوية من مصفوفات اللوحات الشمسية قد تصل طاقتها إلى 1.5 غيغاواط بحلول عام 2010. والواقع أن عام 2010 شهد تركيب 17.5 غيغاواط، بزيادة قدرها 130% عن عام 2009، ومن المتوقع أن يزيد حجم تجهيزات اللوحات الكهروضوئية الشمسية بما قد يصل إلى 20.5 غيغاواط، وهو ما يعني رفع القدرة العالمية إلى ما يقرب من 50 غيغاواط ـ أو ما يعادل قدرة خمسة عشر مفاعلاً نووياً.

وكل هذا لا يحدث فقط في البلدان المتقدمة مثل ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة، بل أيضاً في بلدان مثل بنغلاديش والبرازيل والصين والهند والمكسيك والمغرب، وطبقاً لتقديرات مؤسسة «آي إم إس» لأبحاث السوق فإن أكثر من ثلاثين دولة ستكون جزءاً من هذه ثورة الطاقة الشمسية هذه بحلول عام 2015.

لم يتأت أي من هذا عن طريق المصادفة، فقد تحركت بعض البلدان في وقت مبكر فيما يتصل بتبني بُعد الطاقة في الاقتصاد الأخضر، كما عملت على توظيف السياسات العامة والحوافز الضرورية اللازمة، ولقد أضيف إلى كل هذا قدر كبير من قدرة التصنيع، الأمر الذي أدى إلى خفض التكاليف على مدى العامين الماضيين. والواقع أن أسعار اللوحات الكهروضوئية الشمسية من المنتظر إلى تنخفض بمقدار النصف مرة أخرى في غضون هذا العام.

إن بناء محطة لتوليد الطاقة النووية قد يستغرق من عشرة أعوام إلى خمسة عشر عاما، وقد يستغرق بناء محطات الطاقة العاملة بحرق الفحم نحو خمسة أعوام. أما محطات الطاقة الشمسية المتوسطة الحجم- من خمسة إلى عشرة ميغاواط - فلا يستغرق انتقالها اليوم من مرحلة التخطيط إلى مرحلة البناء أكثر من ثلاثة أشهر. ومع ظهور الشبكات الذكية، وتسعير السوق الحرة، أصبحت اللوحات الكهروضوئية الشمسية في وضع يسمح لها بتوفير الحلول السريعة للبناء وقابلية التطوير.

وطبقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن تحقيق القدرة على الوصول إلى الطاقة الكهربية على مستوى العالم بحلول عام 2030، فإن الأمر يتطلب توفير نحو 33 مليار دولار من الاستثمارات السنوية الإضافية في قطاع الطاقة. وقد يبدو هذا المبلغ ضخماً للغاية، خصوصاً في أعقاب الأزمة الاقتصادية المالية التي لاتزال تبتلي أجزاءً كبيرة من العالم. ولكن الاستثمار الجديد في اللوحات الكهروضوئية الشمسية فقط بلغ نحو 89 مليار دولار في عام 2010. كما أعقب ذلك أيضاً استثمارات بلغت قيمتها مليارات الدولارات في مزارع الرياح الجديدة، ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية، ومجموعة أخرى من تقنيات الطاقة المتجددة.

إن البراعم الخضراء للاقتصاد الأخضر بدأت تنمو الآن في قطاعات الطاقة المختلفة، مدفوعة بمخاوف متصلة بتغير المناخ، وتلوث الهواء، وأمن الطاقة، فضلاً عن الرغبة في توليد أشكال جديدة من الصناعات التنافسية القادرة على زيادة فرص العمل. ونستطيع أيضاً أن نرى هذه البراعم في نمو صناعات إعادة التدوير في كوريا الجنوبية، أو في الطريقة التي تعمل بها إندونيسيا على دمج الغابات في مخططات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والواقع أن التحدي الذي يواجه مؤتمر «ريو+20» الآن يتلخص في الاتفاق على نطاق من السياسات التقدمية التي يمكن نشرها جزئياً أو كلياً للتعجيل بكل هذا.

وفي إطار المجلس الحاكم والمنتدى البيئي الوزاري العالمي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المقبل والذي تستضيفه مدينة نيروبي في كينيا، فإننا نعتزم إطلاق مساهمة بارزة في هذه المناقشة، بإصدار تقرير الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. ويحلل هذا التقرير الكيفية التي قد يساهم بها استثمار 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الطاقة الخضراء في إطلاق العنان للاقتصاد الأخضر وجلب نتائج اجتماعية إيجابية، في حين يساعد في إبقاء البصمة البشرية على كوكب الأرض في حدود الاستدامة.

إن الخيارات التحفيزية فيما يتصل بعشرة قطاعات بشكل خاص- من الزارعة إلى مصايد الأسماك إلى صناعات النقل والبناء- لا تقل أهمية بالنسبة للبلدان النامية عن أهميتها بالنسبة للبلدان المتقدمة. كما تشكل أهمية كبرى أيضاً بالنسبة للاقتصاد الموجه من قِبَل الدولة، بما لا يقل عن أهميتها لاقتصاد السوق.

سيظل هناك دوماً أولئك الذين يبتسمون في تشكك رداً على فكرة الاقتصاد الأخضر ويستبعدون إمكانية تحقيق مثل هذه التحولات البعيدة المدى، ولقد حان الوقت الآن لوضع الأرقام على الطاولة وإظهار الكيفية التي أثبت بها التقدم الطارئ على مجال الطاقة الشمسية وحده مدى خطأ هؤلاء المتشككين.

آكيم شتاينر

* وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (يونيب).

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top