تحل علينا غدا الذكرى الثامنة والأربعين للدستور الذي صدر في الحادي عشر من نوفمبر عام 1962، كاستحقاق وطني أملته الظروف الموضوعية والذاتية في ذلك الوقت على اعتبار أنه المرحلة الأولى أو الإطار العام أو الحد الأدنى لبناء الدولة  الدستورية الديمقراطية الحديثة، والذي كان من المفترض أن تستكمل بقية مراحله بعد مضي خمس سنوات لتحقيق "المزيد من ضمانات الحرية والمساواة" (مادة 175).

Ad

 فما الذي حصل؟

الذي حصل هو أننا لم نحقق حتى الحد الأدنى الذي وضعه الرواد المؤسسون بالرغم من مرور ما يقارب نصف قرن على بداية العهد الدستوري، إذ إنه بدلا من تطوير الدستور لتحقيق المزيد من ضمانات الحرية والمساواة فقد تم تعطيل العمل بالدستور مرتين عامي 1976 و1986 جرى خلالهما محاولات فاشلة للتخلص منه، كما صدر خلالهما تشريعات وقوانين تقيد الحريات الشخصية والعامة، وتتنافى مع نصوص الدستور وروحه، فضلا عن وجود الكثير من الممارسات البرلمانية والحكومية التي لا تلتزم بالدستور.

 أضف إلى ذلك أن مبادئ دستورية أساسية مثل المواطنة الدستورية، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون لم تطبق بشكل صحيح، إذ إن الكثير من الأجهزة الحكومية تقوم، في أغلب الأحيان، بتجاوزها والالتفاف عليها رغم مضي ثمانية وأربعين عاماً على بداية العهد الدستوري.

 من زاوية أخرى فإن لم يتم تحديث العمل السياسي وتجديده من أجل تطوير النظام الديمقراطي بما يتماشى مع روح الدستور وأهدافه العامة، فإنه سيضاعف من جمود الحياة السياسية وعدم تأقلمها مع التغيرات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية السريعة، إذ إننا، ومنذ ستينيات القرن المنقضي، ما زلنا نعمل بالآليات السياسية ذاتها رغم تقادمها وانتهاء عمرها الافتراضي، وعدم فعاليتها وتناقضها مع روح العصر ومتطلباته، وهو الأمر الذي نتج عنه حالة الفوضى السياسية التي نعيشها هذه الأيام.

 لذلك فإننا نأمل أن تتحول الفعاليات الشعبية التي تحتفي بذكرى الدستور من مجرد احتفالات رمزية إلى فعاليات عملية فاعلة تتابع وترصد مدى تطبيق مواد الدستور في الحياة العملية وتفضح من يحاول الالتفاف عليه وتجاوزه، إذ إن الكثير من الجرائم والمخالفات والتعديات ترتكب باسم الدستور، كما أن الكثير من الفاسدين والحرامية والمرتشين ومنتهكي قوانين الدولة والمعتدين على المال العام والطائفيين والعنصريين والقبليين أصبحوا هذه الأيام يدّعون، زورا وبهتانا، أنهم يدافعون عن الدستور.

لقد أثبت الشعب الكويتي قدرته الفائقة على التصدي للمحاولات الحكومية السابقة التي تعرض لها الدستور، والتي كانت ترمي إلى الانقلاب عليه، لكن الخوف كل الخوف أن تأتي محاولات التخلص من الدستور هذه المرة من داخل مجلس الأمة من خلال الاعتداء "المقنع" الذي يستخدم "قفازات الحرير" للالتفاف على الدستور من أجل تفريغه من محتواه، ليبقى شكلاً صوريا أو ديكوراً فارغا خالي المضمون، وهي محاولات يبدو أن التحضير لها يجري الآن على قدم وساق، وهو الأمر الذي يتعين على المدافعين فعلاً عن الدستور أن ينتبهوا إليه، ويكونوا على أتم الاستعداد للتصدي له.