الانتخابات المصرية وأزمة الخلافة

نشر في 12-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 12-12-2010 | 00:01
 ياسر عبد العزيز لم يجد كثير من المحللين تفسيراً لما جرى في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة سوى أن الحزب الحاكم أراد من خلالها السيطرة على البرلمان لحسم قضية الوراثة، عبر ترشيح جمال نجل الرئيس مبارك وضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر من العام المقبل.

لكن شواهد وقرائن عديدة تنفي هذا الاحتمال، فثمة إشارات ودلائل قوية على أن الرئيس مبارك، رغم بلوغه عامه الثاني والثمانين، مازال عازماً على الاستمرار في موقعه "حتى آخر نفس في صدره" كما ألمح هو سابقاً.

قبل شهرين كان الرئيس مبارك يقوم بإحدى جولاته الميدانية، التي يتابع خلالها بعض المشروعات أو يفتتح بعضها الآخر، حيث جلس آنذاك مستمعاً لشرح يتعلق بتوسعات جرت على بعض الطرق من أحد الوزراء وبجواره جلس رئيس وزرائه الدكتور أحمد نظيف.

جرى الحديث عن تسيير سيارات النقل الكبيرة التي تجر خلفها "مقطورات"، وهي سيارات تستخدم في مصر على نطاق واسع وتتسبب في وقوع حوادث سير متكررة، مما دعا البرلمان إلى التصويت على إلغاء الترخيص لها بالعمل، قبل أن تطلب الحكومة مهلة لتسوية أوضاع أصحابها تمتد إلى عام 2012.

تحدث مبارك آنذاك بلهجة حازمة موجهاً كلامه إلى نظيف: "إذا أتيت إليّ في 2012 طالبا تمديد مهلة المقطورات، فلن أوافق".

لم تكن تلك هي الإشارة الوحيدة على عزم الرئيس على البقاء في موقعه، فقبلها ألمح إلى مشاركته أحد الزعماء الأوروبيين في افتتاح متحف في عام 2016، وهو يبدو حريصاً على التأكيد في كل مناسبة سانحة أنه قادر وعازم على المضي قدماً في التمسك بمنصبه لـ"تحقيق المزيد من الاستقرار" للبلاد كما يشير دائماً.

في الشهور القليلة التي سبقت الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت في 28 نوفمبر الماضي و5 ديسمبر الجاري، بدا أن ثمة انقساماً داخل الحزب الحاكم حول شخصية مرشح الرئاسة في الانتخابات المقبلة. وبات واضحاً أن هؤلاء الذين يمثلون ما يعرف بـ"الحرس القديم" يجمعون على التأكيد أن مبارك هو مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة.

ورغم أن نفراً منهم حرص على أن يتبع كلامه عن حتمية إعادة ترشيح مبارك بالقول: "إلا إذا كان للرئيس رأي آخر"، فإن بعضهم قالها بوضوح: "الكلام عن مرشح رئاسي آخر غير مبارك قلة أدب".

منذ أكثر من عشر سنوات يتردد سؤال كبير عما إذا كان مبارك سيورث السلطة لنجله جمال الذي أخذ نفوذه يتسع باطراد في الحياة السياسية في بلاده، وعلى مدى تلك الفترة الممتدة حرص مبارك على عدم تأكيد الأمر أو نفيه نفيا قاطعاً عبر الحد من سلطات نجله الواسعة.

في شهر رمضان المنصرم، سئل الدكتور مصطفى الفقي القيادي في الحزب الحاكم والسكرتير السابق للمعلومات للرئيس: "كيف يتعامل أعضاء الحزب الحاكم مع جمال مبارك؟"، فأجاب بوضوح وقطع: "على أنه رئيس مصر المقبل".

حالة من الغموض وفقدان الرؤية تهيمن إذن على انتخابات الرئاسة المنتظرة في مصر، جعلت السفيرة الأميركية في القاهرة مارغريت سكوبي تكتب في إحدى برقياتها إلى واشنطن: "على الرغم من النقاش الهامس وواسع النطاق الدائر، لا يوجد أي شخص في مصر لديه يقين مؤكد عمن سيخلف مبارك، ولا في أي ظروف قد يتم ذلك".

تضيف سكوبي، في البرقية التي نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية أمس الأول بالتزامن مع موقع التسريبات ذائع الصيت "ويكيليكس": "يبدو أن نموذج مبارك لزعيم قوي ولكنه عادل سيقلل من رصيد جمال إلى حد ما، مع الأخذ في الاعتبار افتقار جمال للخبرة العسكرية، وربما يفسر ذلك إحجام مبارك عن التدخل في مسألة الخلافة".

وتتابع السفيرة في تحليلها: "المؤكد أن مبارك يتوكل على الله وعلى الجيش الموجود بقوة في كل مكان وأجهزة الأمن في تأمين عملية انتقال السلطة بشكل طبيعي".

يبدو أن سكوبي لديها حق، فالرئيس سيجد نفسه اليوم مضطراً للحديث إلى البرلمان المنتخب، وسينتظر الجمهور منه تقييماً لما جرى في تلك الانتخابات التي اعتبرها الكثير من المحللين "أكثر الانتخابات التي شهدتها مصر تزويراً في تاريخها"، ومع ذلك فإنه على الأرجح سيمضي إلى الأمام متحدثاً عن الاستقرار والنمو والتحديات وسيدشن أعمال البرلمان المطعون في شرعيته.

لم تكن قيادات الحزب الوطني الحاكم كلها راضية عما جرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فبعدما كان "الإخوان المسلمون" يحتلون 88 مقعداً تمثل خمس مقاعد البرلمان باتت حصيلتهم في البرلمان الجديد صفرا.

جرى الحديث عن صفقات تعقدها الحكومة مع أحزاب المعارضة المدنية "المتسأنسة"، بحيث تمنح تلك الأحزاب مقاعد "الإخوان"، فيظهر البرلمان كما لو كان جمعية وطنية تضم أغلبية وأقلية معارضة، وتمنح انتخابات الرئاسة فرصة لكي تظهر وكأنها تعكس تنافسا ديمقراطيا، لكن تدخلاً سافراً وعصبياً وحاداً من جناح في السلطة والحزب قوض هذا الترتيب.

يحتل الحزب الحاكم ما بين 85% إلى 95% من مقاعد البرلمان الجديد، وثمة أكثر من أربعة آلاف قضية مرفوعة ضد الانتخابات في المحاكم، وصدرت عشرات الأحكام القضائية التي تطعن أو تلغي الانتخابات في عدد من الدوائر، وانسحبت أحزاب "الوفد" و"الناصري" وجماعة "الإخوان" من انتخابات الإعادة، وباتت صورة الانتخابات خارج البلاد تتأرجح بين كونها "مزورة" و"الأسوأ على الإطلاق في تاريخ البلاد".

لم تعط الفرصة لرجال الحزب الحاكم ليدرسوا خطتهم على مهل قبل الانتخابات، ولم يسمح بحل وسط بين "الشيوخ" الذين رأوا أن يحافظ "الوطني" على أغلبيته بضمان أكثر من ثلثي المقاعد في مقابل أقل قليلاً من الثلث لخليط معارض يكسب البرلمان شرعية ويضفي عليه حيوية ويعكس التنوع الذي تريد البلاد أن تقول إنها تحافظ عليه، وبين "الشبان" الذين أرادو احتكاراً وفوزا كاسحا استعلائيا يضمن تمرير مشروع التوريث من دون معارضة حتى لو كانت هامسة أو مستأنسة.

فبدلا من السيناريو الهادئ، رأى فصيل "الشبان" داخل الحزب أن يستخدم القوة المفرطة، وأن يسكت أي صوت معارض مهما كان مسؤولا وبناء، حتى خرجت النتائج بشكل أسوأ مما توقع الجميع، الأمر الذي دفع الحزب الحاكم نفسه إلى اتخاذ إجراءات من شأنها السماح بنجاح معارضين في جولة الإعادة، في محاولة لإنقاذ البرلمان من خلوه من معارض واحد على الأقل.

ما جرى في انتخابات مصر الأخيرة يسيء إليها ويعكس توتراً وعصبية وأزمة في حزبها الحاكم، ويدفع المعارضة إلى خيارات تبدأ من التحالف والتكتل وتنتهي باختيار أشكال أخرى من التعاطي مع الحكم؛ بعضها قد يقوض الاستقرار ويؤجج الاحتقان والغضب. أما مبارك، فلايزال عازماً على الاستمرار رئيسا في ولاية جديدة، ولم يحسم أزمة الخلافة أو يدعم التوريث، وهو ما يفسر حرص مناصري جمال على تشكيل برلمان "مدجن"، لضمان تمرير مشروعهم فور خلو مقعد الرئاسة.

* كاتب مصري

back to top