«الطماط»... والوحدة الوطنية!
من كان يتوقع أن المناوشات والتصريحات النارية التي ألهبت البلد على خلفية الإثارة الطائفية سرعان ما تخبو، وينضم جميع الأطراف المتصارعة إلى خندق لمواجهة ارتفاع أسعار "الطماط" وبقية الخضروات؟! وبالفعل أدى هذا التحالف الوطني إلى نزول قيمة صندوق "الطماط" بمقدار %50 وهذا بالتأكيد ليس بمستوى الطموح وبالإمكان استمرار نزول الأسعار في حالة تماسك الجبهة الداخلية لمدة أطول مستقبلاً.وعلى الرغم من البعد الهزلي لموضوع أسعار "الطماط" حيث تفجرت الإبداعات الكويتية في تأليف النكت والقصص الطريفة والتعليقات الساخرة، فإنها بالفعل أضفت نوعاً من الراحة النفسية لعموم الناس، فبدلاً من أن تصلك رسالة قصيرة على الجهاز النقال كل ثلاث دقائق بأن النائب الفلاني يتوعد زميله النائب الآخر، والناشط العلاني يهدد بكسر رقاب بعض النواب وناخبيهم، والشيخ العلناتي يكفّر هذه الطائفة أو تلك، الأمر الذي يكاد يفجر عروق الدم في المخ ويشحن القلوب حقداً وكراهية وتطلق عنان الألسن بالسباب والنميمة، فإن نكت "الطماط" الظريفة والخفيفة على القلب كانت ترسم البسمة على الوجوه وكانت هي المسجات الوحيدة التي يعيد السنّي إرسالها إلى صديقه الشيعي أو المواطن الحضري إلى زميله القبلي، بعكس الرسائل النصية الطائفية التي تتداول وتنشر بين أبناء الطائفة الواحدة!
وحقيقة، فإن قصة "الطماط" كشفت عن مدى تلقائية الشعب الكويتي بعموم أطيافه ومدى قابليته للانفعال والاصطفاف، ولكن في حالة واحدة وهي التحريض والإثارة لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها وهدوئها بمجرد أن يصمت قادة ورموز التحريض والإثارة، وفي المقابل عكست أزمة غلاء الأسعار السرعة الكبيرة في القدرة على إعادة الشمل تحت هاجس الهموم المشتركة.وإذا كانت مشكلة ارتفاع سعر "الطماط" لها هذا التأثير السحري في لملمة الناس والتصدي لها بأسلوب حازم وساخر في نفس الوقت فلنا أن نتخيل كيف يمكن أن نجمع الكويتيين على قضايا في غاية الأهمية والخطورة مثل الأمراض الخبيثة التي باتت تنهش كل بيت وتحصد الصغار قبل الكبار، وكذلك تردي مستويات التعليم والخدمات العامة والتوظيف والإسكان والديون الكبيرة التي غرقت فيها الكثير من العوائل، وأن تخلق لمثل هذه المشاكل المزمنة جبهات وطنية تتصدى لها بحزم وروح جماعية.ومع الأسف الشديد، فإن الإجراءات الحكومية في بسط هيبة القانون وغرس وتشجيع الروح الوطنية رغم الإمكانات الهائلة والمؤسسات الضخمة التي تعود لها، لم تفلح يوماً ما في تخفيف الحدية الطائفية والطبقية والقبلية، وتجاربنا المتكررة تبرهن أن المشاكل هي التي تلعب الدور الإيجابي في تقريب المواطنين إلى بعضهم بعضا بدءاً بالغزو والعدوان الخارجي وانتهاءً بأسعار "الطماط"! ولذلك نأمل أن تكون الجهود الحكومية وتأثيرها في المحافظة على الاستمرار الداخلي ومحبة الناس للناس تساوي تأثير "الطماط" لا أكثر!