رغم احتلال الولايات المتحدة الأميركية للحدث العسكري والسياسي والاقتصادي والفكري والعلمي والإعلامي والفني العالمي، فإن المواطنين الأميركيين في عمومهم بعيدون عن هذا كله، ومنشغلون ومأخوذون بتفاصيل حياتهم اليومية الخاصة، الراكضة والصعبة والمرهقة والمتجددة والمكلفة. التي تكاد تأتي على جلّ ساعات يومهم. لتصبح بحبوحة ساعات أو ساعة فراغ، إذا ما توفرت، موزعة بين إعادة ترتيب أمور المنزل، وتربية الأطفال، والاعتناء بحيوانات المنزل والحديقة، ومشاهدة برامج التلفزيون، والقراءة، والسفر في رحلات جماعية صغيرة، والذهاب إلى السينما، وممارسة الرياضة، ولقاء الأصدقاء، وربما التفكير في تدبير الغد المخبّأ.

Ad

إن جولتي الأخيرة في أكثر من ولاية أميركية، ولقائي نخباً علمية وفكرية وإعلامية وثقافية أميركية، وخاصة أساتذة وطلبة الجامعات، وتحديداً كليات الإعلام والصحافة والمكتبات، وأقسام الآداب الأجنبية، أظهرت لي كم هي الهوة الثقافية الإبداعية بينهم وبيننا كبيرة، وتحديداً في ما يخصّ وصول الأعمال الإبداعية العربية المترجمة: مجاميع قصصية، ودواوين شعرية، وأعمال روائية إلى المتلقي الأميركي. باستثناء دوائر صغيرة، تعنى بالاستشراق والترجمة والأدب العربي.

المكتبات الأميركية، تعجّ بروادها من كل الأعمار، وهي عوالم منفتحة على أحدث ما توصل إليه العلم والفكر والأدب والفن، سواء بأنواع الكتاب الورقي أو أحدث تقنيات الاسطوانات المضغوطة. المكتبات الأميركية، وفي عالم استهلاكي مجنون، يتخذ من الدعاية الإعلامية طريقاً لجذب انتباه واهتمام المستهلك، لا تتورع عن توفير كل الأعمال الإبداعية العالمية، لتكون في متناول القارئ والمتابع، لكن رفوف المكتبات العامرة بمئات الآلاف من الكتب الأجنبية المترجمة، تبدو فقيرة، إلى حد البؤس، بما يتوفر لها من كتب عربية إبداعية مترجمة، وهي بعيدة كل البعد عن واقع ومستجدات الساحة الإبداعية العربية.

العقد الأخير، كان عقد رواية عربية بامتياز، ففي كل بلد عربي باتت توجد مجموعة من الأسماء المهمة، التي اتخذت من الإبداع الروائي طريقاً لوصولها إلى القارئ، إضافة إلى الشعر والقصة القصيرة، لكن كل هذا يكاد يكون غائباً تماماً عن المتلقي الأميركي، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو الترجمة، إضافة إلى أسباب أخرى، لا مجال لذكرها هنا، كرّست صورة العربي المتخلف والإرهابي.

ترجمة الإبداع العربي، ضمن دوائر الدرس والاستشراق والجامعات والمعاهد، وبالرغم من أهميتها، فإنها لا تقدم كثيراً للإبداع العربي، فهي تبقى حكراً ضيقاً متاحاً أمام الدارس والطالب الأميركي، وهي في الوقت نفسه تبقى بعيدة عن رفوف المكتبات الأميركية العامة، وعن أعين واهتمام القارئ الأميركي.

الأدب العربي إن لم يجد طريقه إلى الترجمة عبر دور النشر الأميركية والأوروبية المعروفة واسعة الانتشار، فإنه سيبقى بعيداً عن القارئ، وبالتالي بعيداً عن الآخر، أياً كان هذا الآخر، أميركيا أو أوروبيا أو صينيا أو روسيا أو استراليا أو برازيليا أو هنديا أو أياً كان، وبما يكرس صورة العربي البدوي المتخلف، والغارق في آبار وأموال البترول.

إن الحديث عن قمة ثقافية، وعن دور محوري لجامعة الدول العربية، لمزيد من نشر الأدب العربي، لابدّ أن يضع الترجمة نصب عينيه، ولابدَّ أن يتواصل مع كبرى دور النشر الأجنبية، وإلا سنبقى غائبين عن العالم، كل العالم، وكم هو محزن ذلك!