عندما وقعت الواقعة وتهاوش المتهاوشون وتزانط المتزانطون في مجلس الأمة من ممثلي الشعب، كنت حينها أحضر مؤتمراً علمياً في جامعة لندن حول «الربيع العربي»، ولعلي أتناول ذلك المؤتمر في مقالة أخرى. وبعد انتهائي من إلقاء محاضرتي حول رؤيتي لتداعيات الأحداث العربية، كان أحد الأسئلة التقليدية عن سبب عدم خروج ثورة في الكويت تطالب بإسقاط النظام، جاءني بعده سؤال مباغت حول الأحداث التي جرت في مجلس الأمة في اليوم السابق للمؤتمر، وهي حادثة «الهوشة» التي تلاكم فيها نواب يمثلون الشعب، وحيث إنني لم أطلع عليها، بسبب السفر، صرت أسأل السائل عن حيثياتها. الحادثة بحد ذاتها كانت محرجة ومؤسفة ومحزنة.

Ad

بالطبع استدركت نقص المعلومات لاحقاً فتبدى لي المشهد على اتساعه مؤلماً ومخيفاً. لماذا؟

لعل إحدى أهم سمات المسيرة الديمقراطية في الكويت، خلوها النسبي من استخدام العنف كوسيلة لحسم الصراع السياسي. ولو أخذنا الانتخابات ومجلس الأمة والصراع النيابي الحكومي كثلاثة مؤشرات لوجدنا، عبر تاريخها، وحتى في حالة احتدام واحتقان وتجاذب الأطراف، أن العنف المستخدم فيها يأتي دوماً كاستثناء وليس كقاعدة، والأمثلة على ذلك كثيرة حتى تحوّل غياب العنف واستنكاره حين حدوثه إلى ظاهرة محمودة.

قد يكون ما حدث ناتجاً عن حالة الاحتقان والشحن الطائفي المرتبط باستقطاب سياسي، وقد يكون له أسبابه الشخصية، إلا أن ما يزعج ويقلق هو التعامل مع فعل العنف بين النواب المنتخبين كأنه خلاف بين مواطنين عاديين وهم ليسوا كذلك. ولا أدل على ذلك من أنه بعد قيام سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد - أطال الله في عمره - بمصالحة أطراف النزاع العنيف غاب الفعل ذاته من رادار الإعلام أو الاهتمام.

تدخُّل صاحب السمو كان تدخلاً حكيماً ومطلوباً حل فيه حالة الاحتقان الشخصي بين النواب «المتهاوشين»، ولكنه لم يحل موضوع استمراء استخدام العنف من قبل قيادات المجتمع السياسية، وهم الذين فازوا بأعلى الأصوات في دوائرهم الانتخابية، وبالتالي فهم يمثلون قدوة لعدد من الناس، وفعلهم العلني يؤثر بشكل أو بآخر على الآخرين.

للتعامل مع الحدث ذاته، وبعد أن طابت الخواطر الشخصية، ظاهرياً بالطبع، فإنه أصبح لزاماً على جميع النواب الذين شاركوا في تلك الواقعة أن يعتذروا للشعب كافة، وفي ذات المكان الذي وصلوا إليه بأصوات الشعب، خاصة أنه باستثناء ما يتنامى إلى علمي من اعتذار النائب فلاح الصواغ للشعب في مقابلة تلفزيونية، فإنني لم أتحصل على أي اعتذار من النواب الآخرين، ربما اعتذروا لبعضهم ولكنهم لم يعتذروا للشعب.

فإن كانت حادثة العنف فعلاً مدمراً، فإن عدم إحساس النواب بأنهم ارتكبوا خطيئة بحق الناس هو فعل أكثر تدميراً، وفيه تشجيع على سيادة ثقافة العنف في المجتمع، وهي ثقافة أشد وطأة على مجتمع صغير، هذه واحدة، أما الثانية فهي إضافة مادة للائحة الداخلية لمجلس الأمة تشدد العقوبة على من يخالف النظام العام للمجلس، وبالذات حيال قيام عضو بالاعتداء الجسدي على عضو آخر، باعتباره مستقيلاً من المجلس على غرار ما جاء في المواد 25 و79 و88 و89 من اللائحة الداخلية.

لذا أتمنى على النواب الذين شاركوا بـ«الهوشة» بأي صورة من الصور أن يقوموا مجتمعين بالجلسة القادمة ويعتذروا للشعب الكويتي على الاعتداء الذي جرى عليه، وفي ذلك خير لهم، وخير لنا، وخير للديمقراطية، وخير للسلام الاجتماعي، وتطهير للنفس، فهل يملك نوابنا الأفاضل جرأة في السلام كما كانت لهم جرأة على السلام؟

* الحديث عن الديمقراطية ذو شجون، ومعالجة الظواهر العادية لا يمكن أن تكون باستخدام العنف، فلا يمكن الاندفاع نحو أقصى عقوبة وهي الإعدام بسبب أفعال سخيفة ارتكبها أحداث لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة مهما كانت الأسباب، ومهما كانت المبررات، وبالمقابل فإن التوجه لعسكرة الدولة عن طريق الإمعان في منع التجمعات والتشكيك في الناس هو توجه لن يؤدي إلا إلى حالة استفزاز غير مبررة، ناهيك عن مخالفته للدستور. والحمد لله أن مؤتمرنا كان قد انتهى قبل أن يطرح أحد الحاضرين تفسيرات لتوجهات السيطرة والهيمنة وقمع الناس من السلطة التشريعية أو التنفيذية.