ربما يعتقد البعض أن الصيام فريضة خاصة بالإسلام، لكن الواقع أن الصيام ممارسة عبادية موجودة في الغالبية العظمى من الأديان السماوية وغير السماوية على حد سواء، وإن كانت مدة الصيام وكيفيته تختلف من ديانة إلى أخرى. فالصيام عند اليهود محدد في أيام مخصصة متفرقة على أيام السنة، وهي عادة تؤرخ لحوادث حزينة وقعت في تاريخ اليهود. يبدأ الصيام عند اليهود من شروق الشمس إلى ظهور أول نجوم الليل، وهو يشمل الامتناع عن أنواع الطعام والشراب كافة وممارسة الجنس. أما الصوم عند المسيحيين فيمتد إلى أربعين يوماً ينتهي بعيد الفصح، وفي هذه الأيام يمسك المسيحيون عن تناول اللحوم بجميع أنواعها، ويزيد البعض بالامتناع عن مشتقات اللحوم كذلك.

Ad

المصريون القدماء هم أيضاً كانوا يمارسون الصوم، وكان ذلك يتم أثناء الحروب والمحن التي تمر بهم، وكانوا يصومون أيام الأعياد كذلك وفاءً لنهر النيل. أما الهندوس فيصومون من مغيب الشمس إلى طلوعها في الأيام التسعة الأولى من كل فصل من فصول السنة الأربع. أما الصيام في الديانة البوذية فيقتصر على أربعة أيام من كل شهر قمري يسمونها أيام اليبوذانا، ويمتد فيها الصوم من الشروق إلى الغروب. وهناك بعض الغرائب في ممارسة الصيام لدى بعض الشعوب، فعند السكان الأصليين لأستراليا تصوم المرأة التي توفي زوجها عن الكلام عاماً كاملاً.

برغم اختلاف طرق ممارسة الصيام عند شعوب العالم، فإن الهدف الجامع لممارسة الصيام في المجتمعات على اختلافها هو التطهر والسمو والارتفاع عن الشهوات الدنيوية والعودة إلى الصفاء الروحي الذي يتلوث في أيام الفطر، وهذا الهدف واضح وصريح في الشريعة الإسلامية في قوله تعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". لكن الملاحظ أن الصيام تحول عند الكثير من المجتمعات الإسلامية من موسم للتطهر والصفاء الروحي إلى موسم للهو والعبث والانغماس بشكل أكبر فـي الأمور الدنيوية ولذاتها.

كثير من "الصائمين" ليس لهم هم في رمضان سوى متابعة المسلسلات "الرمضانية"، فتراه يحرص ألا يفوته أي مسلسل، وهناك من "الصائمين" مَن يجعل السهرات الرمضانية مسرحاً للخوض في أعراض الناس والعياذ بالله، وآخرون جل همهم الاستمتاع بالأكلات الرمضانية من لقيمات وتشريبة وهريس وزلابيا وغيرها، فتراه يأكل من غروب الشمس حتى يتبين الخيط الأبيض من الفجر. هناك قسم آخر من "الصائمين" وغالبيتهم من الموظفين تراهم يعطلون مصالح الناس بحجة التعب من الصيام أو الإطالة في الصلاة أثناء الدوام أو الانشغال بقراءة القرآن، أما الأسوأ من هؤلاء جميعاً فهو من يبث الفتنة بين شرائح المجتمع في شهر يفترض أن يكون شهراً للتقرب إلى الله وتزكية النفس والمحبة والألفة.

يروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله سمع امرأة تسب جاريتها وهي صائمة فدعا بطعام، فقال لها كلي، فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! وفي حديث آخر يقول الرسول الأكرم: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، كما أنه كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. للصائمين الذين ذكرنا آنفاً سلوكهم في رمضان نقول لهم الأفضل ألا تصوموا، لأنه ليس لكم من صيامكم إلا الجوع والعطش.