بذور فنائها في احشائها
وضعت الزميلة إيمان البداح يدها على الجرح في إرجاع سبب حالة العنف والفوضى التي تغرق بها الكويت إلى مخاطر الديمقراطية غير الليبرالية.
نعم تلك هي الصورة الأكبر لما يحدث، وما الكوارث التي حدثت إلا نتيجة لهذا الاعتلال. تلك هي الحقيقة التي تضيع وسط الضجيج والصراخ الذي يصم الآذان. كلمات كالديمقراطية أو دولة القانون والمؤسسات هي كلمات نلوكها وترددها ألسنتنا دون أن نطبق مضمونها أو حتى نفقه معناها الحقيقي. يقول المفكر فؤاد زكريا: «إن الديمقراطية التي تنشأ دون دعائم الليبرالية السياسية تؤدي إلى الفاشية والديمقراطية المتعصبة». فالديمقراطية غير الليبرالية «غير الحرة» التي لا تؤمن بالحرية الفردية والحريات العامة ولا تضمن حقوق الأقليات ما هي إلا استبداد الأغلبية. لقد تخلت ديمقراطيتنا عن أساسها وعمودها، فهوت وسقطت مضرجة بدمائها، إذ لا ديمقراطية بدون حرية ولا حرية بدون ليبرالية دستورية، أما غير ذلك فهو خداع وتضليل، معادلة بسيطة هجرنا تطبيقها، فأضحت ديمقراطيتنا الشكلية البدائية التي تعادي القيم الليبرالية (التي كفلها الدستور) تنتج كل ما هو نقيض لها من قمع وتسلط وإكراه.إن مبدأ استقلالية وفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية هو الوسيلة الأساسية لتطبيق الديمقراطية الليبرالية، فالرقابة الحرة المستقلة لكل سلطة على الأخرى تمنع استبداد وتعسف إحداها، فالسلطة توقف السلطة, كما يقول منتسكيو واضع قانون فصل السلطات، أما الديمقراطية الكويتية الغوغائية فتتداخل فيها السلطات التنفيذية والتشريعية بشكل جلي في مشاركة الحكومة في سلطات مجلس الأمة التشريعية! ليتجرد الدستور من قيمه وتتعطل الديمقراطية، ذلك لأن حرمة الحريات تنتهك في وضح النهار بسبب انعدام آلية الرقابة الدستورية على القوانين التي تشرع، ففي الدول الديمقراطية المتحضرة هناك مجالس دستورية تراقب دستورية القوانين وتنظر في مدى مطابقة القوانين للدستور، وإذا لم تتسق القوانين مع المواد الأعلى منها في الدستور، تفقد القوانين مشروعيتها، ولكن تلك الآلية معدومة في الكويت إذ تتكالب السهام على مواد الدستور من كل صوب وحدب، الأمر الذي أخل بعملية تقييد وضبط الدستور لسلطات الحكومة والمجلس، بل وكرس من تجاوزهما على الدستور وحرياته، بدلا من القيام بوظيفتهما الأساسية وهي حماية الفرد من الاستبداد. وما الآلة القمعية للقوات الخاصة التي واجهت النواب والحضور العزّل في ذلك اليوم الأسود إلا دليل على خطر تلك الديمقراطية غير الحرة، فضاع المبدأ وسط هذه الحالة الغوغائية، وانقسم الناس إلى مستنكرين لحادثة الجويهل ومهللين لضرب القوات الخاصة للنواب والحضور، أو العكس مستنكرين لعنف القوات الخاصة وساكتين عن ضرب الجويهل، والقضية هنا ليست الجويهل (العنصري) ولا الإسلام السياسي (المستبد)، القضية هي هدر للكرامات وهدر للدستور وهدر للديمقراطية باسم تطبيق القوانين! تناقض شنيع ومريع أن نسمي ما تعرض له أستاذ القانون د. عبيد الوسمي من اعتداء وحشي تطبيقاً للقوانين؟ وها هو المشهد الذي تقشعر له الأبدان من سحل وركل وضرب مبرح في هذا الرابط http://aljaridaonline.com/2010/ 12// 15/ 56878 يبين كيف طبقت القوات الخاصة ما جاء في المادة 31 من الدستور «لا يعرض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة»!، والأدهى أن يعتقل د. الوسمي ويسجن بعد هذه الحادثة دون محاكمة وهو أمر يتناقض بشكل صارخ مع ما جاء في المادة 34 «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، ويحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً».ما يتعرض له الدستور من ضرب وسحل وركل هو جناية اقترفتها الديمقراطية غير الليبرالية (غير الحرة) التي تحمل بذور فنائها في أحشائها.• د. أسيل العوضي شكراً على شجاعتك ومواقفك المشرفة.